تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف

اشارة

نام كتاب: تنقيح مباني العروة- كتاب الاعتكاف

موضوع: فقه استدلالى

نويسنده: تبريزى، جواد بن على

تاريخ وفات مؤلف: 1427 ه ق

زبان: عربى

قطع: وزيرى

تعداد جلد: 1

تاريخ نشر: ه ق

نوبت چاپ: اول

مكان چاپ: قم- ايران

[الاعتكاف هو اللبث في المسجد بقصد العبادة]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ*

كتاب الاعتكاف

و هو اللبث في المسجد بقصد العبادة، بل لا يبعد كفاية قصد التعبّد بنفس اللبث (1) و إن لم يضمّ إليه قصد عبادة أُخرى خارجة عنه، لكنّ الأحوط الأوّل.

و يصحّ في كلّ وقت يصحّ فيه الصوم، و أفضل أوقاته شهر رمضان، و أفضله العشر الأواخر منه.

______________________________

كتاب الاعتكاف

قصد التعبّد بنفس اللبث

(1) المستفاد من الكتاب المجيد و الروايات كون الاعتكاف عبادة يتقرّب به إلى اللّٰه سبحانه كسائر العبادات قال اللّٰه سبحانه: «وَ لٰا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عٰاكِفُونَ فِي الْمَسٰاجِدِ» «1» و «أَنْ طَهِّرٰا بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ وَ الْعٰاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ» «2» و في مقابلته للطواف و الصلاة دلالة على أنّ اللبث في نفسه عبادة كما هو الحال في الطواف و الصلاة فيكون الاعتكاف المشروع حبس المكلّف نفسه في المسجد المعبّر عن

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية 187.

(2) سورة البقرة: الآية 125.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 224

و ينقسم إلى واجب و مندوب، و الواجب منه ما وجب بنذر أو عهد أو يمين أو شرط في ضمن عقد أو إجارة أو نحو ذلك، و إلّا ففي أصل الشرع مستحبّ.

و يجوز الإتيان به عن نفسه و عن غيره الميّت. و في جوازه نيابةً عن الحي قولان لا يبعد ذلك، بل هو الأقوى (1).

و لا يضرّ اشتراط الصوم فيه فإنّه تبعي، فهو كالصلاة في الطواف الذي يجوز فيه النيابة عن الحيّ.

______________________________

ذلك بالاحتباس و اللبث

فيه.

النيابة عن الحي

(1) لا قوّة فيه فإنّ الاعتكاف كسائر الأفعال التي يستند إلى المباشر بها و لا يحصل بالتسبيب، و النيابة في هذه الأفعال يحتاج إلى قيام دليل عليه و النيابة عن الموتى ثابتة في العبادات، و أمّا النيابة عن الأحياء فقد ثبت في الحجّ و الطواف، و أمّا غيرهما و منه الاعتكاف فلم يقم عليها دليل، و ما يستدلّ به في النيابة عن الحي من روايتي محمّد بن مروان «1»، و علي بن أبي حمزة «2» لضعفهما سنداً بل دلالة لا يصلح الاعتماد عليهما، و ما ذكر الماتن قدس سره من توجيه أنّ الصوم وجوبه تبعي لا يمكن المساعدة عليه فإنّه على تقدير قيام الدليل على جواز النيابة يصحّ الاعتكاف عن الحيّ و لا يقتضي ذلك الدليل الصيام عن الحيّ فإنّه لا يعتبر بشرط العمل عن المنوب عنه، و مع عدم قيام الدليل لم يحكم بصحّة النيابة و إن فرض جواز الصوم عن الحيّ.

نعم، لا بأس بالاعتكاف عن الحيّ رجاءً لكفاية احتمال المشروعيّة الواقعيّة في الإتيان رجاءً.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 8: 276، الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 8: 278، الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 8.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 225

[يشترط في صحّت الاعتكاف أُمور]

اشارة

و يشترط في صحّته أُمور:

[الأوّل الإيمان]

الأوّل: الإيمان، فلا يصحّ من غيره (1).

[الثاني العقل]

الثاني: العقل، فلا يصحّ من المجنون و لو أدواراً في دوره، و لا من السكران و غيره من فاقدي العقل.

[الثالث نيّة القربة]

الثالث: نيّة القربة كما في غيره من العبادات و التعيين إذا تعدّد و لو إجمالًا، و لا يعتبر فيه قصد الوجه كما في غيره من العبادات و إن أراد أن ينوي الوجه ففي الواجب منه ينوي الوجوب و في المندوب الندب و لا يقدح في ذلك كون اليوم الثالث الذي هو جزء منه واجباً؛ لأنّه من أحكامه، فهو نظير النافلة إذا قلنا بوجوبها بعد الشروع فيها و لكنّ الأولى ملاحظة ذلك حين الشروع فيه بل تجديد نيّة الوجوب في اليوم الثالث و وقت النيّة قبل الفجر (2) و في كفاية النيّة في أوّل الليل كما في صوم شهر رمضان إشكال، نعم لو كان الشروع فيه في أوّل الليل أو في أثنائه نوى في ذلك الوقت.

______________________________

شروط الاعتكاف

الإيمان شرط في الاعتكاف

(1) إذا لم يكن فيه خلل من جهة سائر الشرائط فلا يبعد الحكم بالصحّة و لكنّه لا يؤجر عليه فإنّ الولاية شرط في مقام الأجر بمعنى إعطاء الثواب لا محالة.

نيّة الاعتكاف

(2) و ذلك فإنّ الاعتكاف المعتبر كونه ثلاثة أيّام يكون مبدأ اليوم فيه من طلوع الفجر حيث إنّ ظاهر اشتراطه بالصوم أنّ أيّامه أيّام الصوم، فإن أراد المكلّف

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 226

..........

______________________________

الاعتكاف من اليوم يكون قصده قبل آن طلوع الفجر لا محالة، و بما أنّ الاعتكاف في ناحية قلّته مشروط بثلاثة أيّام فيجوز الشروع في الاعتكاف من الليل أو أثنائه، فإن أراد الاعتكاف كذلك يكون قصده من الليل أو من أثناء الليل، و ليس هذا مورد الكلام و الخلاف،

و إنّما الكلام فيما إذا قصد المكلّف الاعتكاف من طلوع الفجر فقصد ذلك من الليل فإنّه إن بقي على قصده إلى زمان طلوع الفجر يكون قصده من طلوع الفجر.

و أمّا إذا زال القصد عنه لا بقصد الخلاف بل بالنوم، كما إذا نام بعد القصد المزبور و انتبه بعد طلوع الفجر فهل هذا النحو من القصد- المتقدّم كفايته في صوم اليوم- كافٍ في الاعتكاف أيضاً أم لا بدّ في الاعتكاف من القصد قبل طلوع الفجر؟

فاستشكل الماتن في كفايته و لكن لا يبعد أن يقال: إنّ مكث المكلّف في المسجد و لو بصورة النائم فعل اختياري؛ لأنّ المفروض أنّه دخل المسجد بقصد أن يكون ماكثاً فيه و لو نائماً من طلوع الفجر إلى ثلاثة أيّام بحساب الله سبحانه، و بما أنّ المكث فيه صائماً في تلك الأيّام مع ملاحظة سائر الشرائط محبوب للّٰه سبحانه و قد قصد المكلّف الإتيان بما هو محبوب له يكون ذلك مجزياً، و نظير ذلك ما ذكرنا فيمن أراد الوقوف بالمشعر الحرام فإنّه إذا أفاض من عرفات قاصداً المكث فيه من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس بحساب اللّٰه سبحانه؛ لكونه جزءاً من حجّه كفى ذلك و لو فرض أنّه نام في الليل في المشعر الحرام و انتبه مقارناً لطلوع الشمس.

و بتعبير آخر، الواجب الذي يحصل ببقاء الفعل الحادث بالاختيار مع قصد المكلّف عند حدوثه أن يبقى و يحصل ذلك الواجب لا يعتبر في قصد التقرّب به مقارنة قصده بحصول الواجب، بل يمكن أن يقصده عند حدوث ذلك الفعل الاختياري حيث لم يقم دليل على اعتبار الزائد على هذا القصد التقرّب مع فرض

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 227

و لو نوى

الوجوب في المندوب أو الندب في الواجب اشتباهاً لم يضرّ إلّا إذا كان على وجه التقييد (1) لا الاشتباه في التطبيق.

[الرابع الصوم]

الرابع: الصوم فلا يصح بدونه و على هذا فلا يصحّ وقوعه من المسافر (2) في غير المواضع التي يجوز له الصوم فيها.

______________________________

كونه اختيارياً باختيار حدوثه، و قد تقدّم الكلام في ذلك في قصد الصوم من طلوع الفجر، و لا يقاس هذا القسم من الواجب بالواجب الذي يكون حدوثيّاً؛ لكون أجزائه أمراً حدوثيّاً فإنّ اعتبار قصد التقرّب فيه عند صدور الكلّ ليكون صدور أجزائه قربيّاً.

(1) لا يتحقّق التقييد في المقام؛ لأنّ الاعتكاف الموجود لا يتعدّد بالوجوب أو الاستحباب غاية الأمر قصد وجوبه مع العلم بعدم وجوبه يكون تشريعاً و مبطلًا، بخلاف ما إذا كان مشتبهاً كما هو المفروض فيحكم بصحّته.

الصوم شرط في الاعتكاف

(2) لا خلاف في اشتراط الاعتكاف بالصوم في أيّامه التي يكون مبدأ اليوم طلوع الفجر، بلا فرق بين كون الصوم تطوّعاً أو واجباً أصليّاً كصوم رمضان و قضاء صومه أو واجباً بالعرض كالمنذور، و عليه فلا يصحّ الاعتكاف من المسافر في غير المواضع التي يجوز له فيها الصوم، و لا يبعد دعوى التواتر الإجمالي فيما دلّ على اعتبار الصوم و اشتراطه به من الروايات و مثل المسافر من لا يصحّ منه الصوم كالحائض و النفساء و المريض الذي يضرّه الصوم أو زمان لا يصحّ فيه الصوم كالعيدين، و لو نوى الاعتكاف قبل العيد بيومين يحكم ببطلانه لعدم صحّة الصوم في اليوم الثالث و الاعتكاف لا يكون أقل من ثلاثة أيّام، و لا فرق في ذلك بين الملتفت إلى أنّ اليوم الثالث عيد و بين الغافل عنه بالمرّة، حيث إنّ الصوم في العيد

محكوم بالبطلان سواء كان الشخص عالماً أو غافلًا.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 228

و لا من الحائض و النفساء و لا في العيدين، بل لو دخل فيه قبل العيد بيومين لم يصحّ و إن كان غافلًا حين الدخول.

نعم، لو نوى اعتكاف زمان يكون اليوم الرابع أو الخامس منه العيد فإن كان على وجه التقييد بالتتابع لم يصحّ (1) و إن كان على وجه الإطلاق لا يبعد صحّته فيكون العيد فاصلًا بين أيّام الاعتكاف.

[الخامس أن لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام]

الخامس: أن لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام فلو نواه كذلك بطل.

و أمّا الأزيد فلا بأس به و إن كان الزائد يوماً أو بعضه أو ليلة أو بعضها.

و لا حدّ لأكثره.

______________________________

يعتبر أن لا يقع العيد في أيّام الاعتكاف

(1) و لو نوى الاعتكاف بمدّة يكون اليوم الرابع أو الخامس منها عيداً فإن أدخل العيد في اعتكافه بأن قصد اعتكافاً يكون يوم رابعه أو خامسه عيداً بطل ذلك الاعتكاف لعدم مشروعية الاعتكاف المزبور، و إن لم يقيّد اعتكافه بالتتابع بأن يكون قصده المكث في المسجد في تلك المدّة و إن لم يدخل يوم العيد في اعتكافه و في هذه الصورة يصحّ اعتكافه قبل العيد؛ لاجتماع شرائط الاعتكاف فيه و يكون بعد العيد أيضاً معتكفاً، و ظاهر كلام الماتن ضمّ ما بعد العيد إلى الاعتكاف قبله حتّى ما لو كان يوماً واحداً؛ لأنّ تحديد الاعتكاف بالإضافة إلى الزيادة على الثلاثة لا بشرط فيكون يوم العيد فاصلًا بين أيّام الاعتكاف، و لكن لا يخفى أنّ الاعتكاف الواحد لا يقبل الانقطاع في أيّامه و لا بدّ من أن يكون واحداً مستمرّاً في أيّامها؛ و لذا يدخل في الاعتكاف الليالي المتوسّطة، و عليه فإن كان

ما بعد العيد ثلاثة أيّام أو قصدها بعد العيد فهو اعتكاف آخر و إلّا فلا يصحّ ضمّه إلى الاعتكاف السابق إلّا بنحو الرجاء كما التزم به قدس سره في الحيضة الواحدة حيث التزم بأنّ الدم الذي رأته المرأة قبل انقضاء

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 229

نعم، لو اعتكف خمسة أيّام وجب السادس، بل ذكر بعضهم أنّه كلّما زاد يومين وجب الثالث: فلو اعتكف ثمانية أيّام وجب اليوم التاسع و هكذا و فيه تأمّل (1).

و اليوم من طلوع الفجر إلى غروب الحمرة المشرقية، فلا يشترط إدخال الليلة الأُولى و لا الرابعة و إن جاز ذلك كما عرفت، و يدخل فيه الليلتان المتوسّطتان.

______________________________

عشرة أيّام فهو الحيض و لكنّ النقاء المتخلّل بينه و بين الدم السابق طهر.

في أيّام الاعتكاف

(1) لأنّ ما دلّ على وجوب اليوم السادس إن أقام بعد الثلاثة يومين لا يدلّ على ما ذكره بعضهم حيث ورد في صحيحة أبي عبيدة، عن أبي جعفر عليه السلام: «من اعتكف ثلاثة أيّام فهو يوم الرابع بالخيار إن شاء زاد ثلاثة أيّام أُخر و إن شاء خرج من المسجد، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتّى يتمّ ثلاثة أيّام أخر» «1».

و دعوى أنّها تعمّ الثلاثة التي بعد الثلاثة الأُولى فإن أقام بعد الثلاثة الثانية يومين فلا يخرج من المسجد حتّى يتمّ ثلاثة أُخر لا يمكن المساعدة عليها؛ فإنّ ظاهرها أن يكون اعتكافه ثلاثة أيّام و في الفرض اعتكافه ستّة أيّام فوجوب البقاء في اليوم التاسع فيما ذكروا يحتاج إلى دليل، و مع عدمه يكون مقتضى أصالة البراءة عدم وجوبه و جواز الخروج، بل مقتضى صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه

السلام «2» جواز الخروج عن المسجد بعد ثلاثة أيّام و قد يرفع اليد عن إطلاقها بالإضافة إلى صورة البقاء فيه بعدها بيومين، و أمّا بالإضافة إلى البقاء ثمانية أيّام فيؤخذ بإطلاقها.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 544، الباب 4 من أبواب الاعتكاف، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 10: 543، الباب 4 من أبواب الاعتكاف، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 230

و في كفاية الثلاثة التلفيقية إشكال (1).

[السادس أن يكون في المسجد الجامع]

السادس: أن يكون في المسجد الجامع (2) فلا يكفي في غير المسجد و لا في مسجد القبيلة و السوق و لو تعدّد الجامع تخيّر بينها، و لكن الأحوط مع الإمكان كونه في أحد المساجد الأربعة مسجد الحرام و مسجد النبي صلى الله عليه و آله و مسجد الكوفة و مسجد البصرة.

______________________________

ما المراد باليوم؟

(1) ظاهر اليوم في الاعتكاف بقرينة اشتراط الصوم في أيّامها ثلاثة أيّام من طلوع الفجر إلى دخول الليل، و إن قلنا في موارد عدم القرينة بأنّ مبدأ اليوم طلوع الشمس، و في كلا الموردين إطلاق اليوم على التلفيق من يومين تسامح فلا بدّ في موارد اعتبار التسامح من قيام دليل عليه و لو كان ذلك مناسبة الحكم و الموضوع، و في المقام ليس ما يصلح للقرينة على رفع اليد عن ظهور ثلاثة أيّام في أيّام تامّة.

الاعتكاف في المسجد الجامع

(2) لا خلاف في اعتبار كون الاعتكاف في المسجد، بل كونه فيه مقوّم له على ما مرّ إنّما الكلام في الخصوصيّة المعتبرة في المسجد لاختلاف الروايات الواردة في هذه الجهة و اختلف الأنظار في الترجيح بينها أو في الجمع بينها، و قد ورد في طائفة منها اعتبار كونه في مسجد جامع، و ظاهره كون المسجد بحيث يجتمع

فيه للصلاة غالبيّة المصلّين في المسجد و لو في بعض الأوقات، و يحتمل كون المراد المسجد الذي يقام فيه صلاة الجمعة، و هذا الاحتمال ضعيف لا ينافي الظهور كصحيحة داود بن سرحان على رواية الصدوق قدس سره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إنّ عليّاً عليه السلام كان يقول:

لا أرى الاعتكاف إلّا في المسجد الحرام و مسجد الرسول صلى الله عليه و آله أو مسجد جامع» «1»

______________________________

(1) من لا يحضره الفقيه 2: 185، الحديث 2091.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 231

..........

______________________________

و في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا اعتكاف إلّا في مسجد الجامع» «1» و ما رواه الشيخ قدس سره عن علي بن الحسن بن فضال، عن أحمد بن صبيح، عن علي بن غراب أو علي بن عمران، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «المعتكف يعتكف في المسجد الجامع» «2» و ظاهر كلّ ذلك أن يكون المسجد ممّا يطلق عليه المسجد الجامع.

و منها ما ظاهره كون المسجد مسجد الجماعة كصحيحة الحلبي المرويّة في الكافي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن الاعتكاف؟ قال: «لا يصلح الاعتكاف إلّا في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلى الله عليه و آله أو مسجد الكوفة أو مسجد جماعة و تصوم ما دمت معتكفاً» «3».

و موثقة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام حيث ورد فيها: «لا يصلح العكوف في غيرها (يعني غير مكّة) إلّا أن يكون في مسجد رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله أو في مسجد من مساجد الجماعة» «4».

و موثقة يحيى بن العلاء الرازي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا يكون

اعتكاف إلّا في مسجد جماعة» «5».

و في رواية أبي الصباح الكناني أو موثّقته لتردّد محمد بن علي بين محمّد بن علي الكوفي أبي سمينة و بين محمّد بن علي بن محبوب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

سئل عن الاعتكاف في رمضان في العشر الأواخر؟ قال: «إنّ عليّاً عليه السلام كان يقول:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 538، الباب 3 من أبواب الاعتكاف، الحديث الأوّل.

(2) التهذيب 4: 290، الحديث 12.

(3) الكافي 4: 176، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 10: 539، الباب 3 من أبواب الاعتكاف، الحديث 3.

(5) وسائل الشيعة 10: 539-/ 540، الباب 3 من أبواب الاعتكاف، الحديث 6.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 232

..........

______________________________

لا أرى الاعتكاف إلّا في المسجد الحرام أو في مسجد الرسول صلى الله عليه و آله أو في مسجد جامع (جماعة)» «1» فإنّه إن كان الصحيح «في مسجد جامع» فهي من الطائفة الأُولى، و إن كان «جماعة» فهي من الطائفة الثانية، و إن كان في «مسجد جامع جماعة» فهي جامعة بين الطائفتين، و لو لم يكن في البين رواية أو طائفة أُخرى لأمكن القول بأنّ المراد من مسجد جماعة هو المسجد الجامع أيضاً؛ لأنّ أي مسجد فرض لا يخلو عن صلاة الجماعة فيه نوعاً و لو كانت صلاة الجماعة بصلاة اثنين و ما فوق فاعتبار كونه مسجد صلاة الجماعة عبارة أُخرى عن كونه مسجداً جامعاً يقام فيه صلاة الجماعة، و لكن في صحيحة عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها؟ فقال: لا اعتكاف إلّا في مسجد جماعة قد صلّى فيه إمام عدل صلاة جماعة، و لا بأس أن يعتكف في مسجد

الكوفة و البصرة و مسجد المدينة و مسجد مكّة» «2».

و قد يقال بظهور «إمام عدل» فيها في الإمام المعصوم بقرينة التعبير بصيغة الماضي في قوله: «قد صلى فيه إمام عدل» و بقرينة ما ورد في الذيل: «و لا بأس أن يعتكف في مسجد الكوفة» الخ فيعتبر في المسجد الذي يعتكف كونه مسجداً صلى فيه الإمام المعصوم صلاة الجماعة و قد اعتبر البعض بأن تصلّى فيه صلاة الجمعة.

و تظهر الثمرة في مسجد صلّى فيه الإمام المعصوم صلاة الجماعة لا الجمعة كما نقل ذلك في مسجد مدائن حيث صلّى فيه الحسن عليه السلام صلاة الجماعة لا الجمعة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 539، الباب 3 من أبواب الاعتكاف، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 10: 540، الباب 3 من أبواب الاعتكاف، الحديث 8.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 233

[السابع إذن السيّد بالنسبة إلى مملوكه]

السابع: إذن السيّد بالنسبة إلى مملوكه سواء كان قنّاً أو مدبراً أو أُمّ ولد أو مكاتباً لم يتحرّر منه شي ء (1) و لم يكن اعتكافه اكتساباً، و أمّا إذا كان اكتساباً فلا مانع منه كما أنّه إذا كان مبعّضاً فيجوز منه في نوبته إذا هاياه مولاه من دون إذن بل مع المنع منه أيضاً.

______________________________

و ناقش في ذلك بعضهم بأنّ المراد من «إمام عدل» كما في قولهم: شاهد عدل، إمام الجماعة الذي يوصف بالعدالة فيكفي في الاعتكاف أن يكون المسجد الجامع كذلك، و أمّا المسجد الذي لم يقم فيه صلاة جماعة صحيحة كالتي أُشير إليها من مساجد بغداد في ذلك الزمان فلا يصحّ الاعتكاف فيه، و نفي البأس عن الاعتكاف في المساجد الأربعة لإحراز الشرط فيها بلا ارتياب.

أقول: لا يبعد الالتزام بذلك و يعيّن هذا الذي ذكرنا مع الإغماض عنه بُعد

حمل إطلاق مسجد جامع أو المسجد الجامع أو المسجد الذي سمّاه الوارد في الروايات على المساجد الأربعة أو الخمسة. نعم، يتعيّن كون المسجد الجامع من مساجد البلاد لا القرى لما ورد فيها رواه المحقّق و العلّامة عن جامع البزنطي، عن داود بن الحصين، عن أبي عبد اللّه عليه السلام لا اعتكاف إلّا بصوم و في المصر الذي أنت فيه» «1» و الرواية معتبرة؛ لأنّ طريق المحقّق إليه محرز و المراد البلد الذي يقيم فيه؛ لأنّ المسافر بلا قصد إقامة لا يتحقّق منه الاعتكاف لاشتراطه بالصوم و لأنّ إطلاق مسجد الجامع على مسجد القرية غير محرز (تراجع الروايات في الباب 3 و 7 من أبواب الاعتكاف).

إذن السيد بالنسبة إلى مملوكه

(1) أمّا لكونه مكاتباً مشروطاً أو مكاتباً مطلقاً و لكن لم يؤد شيئاً من مال الكتابة، فإنّ اعتكاف العبد في جميع الفروض المزبورة مشروط بإذن مولاه فإنّ مكثه في

______________________________

(1) المعتبر 2: 733، تذكرة الفقهاء 6: 246.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 234

و كذا يعتبر إذن المستأجر بالنسبة إلى أجيره الخاصّ (1).

و إذن الزوج بالنسبة إلى الزوجة إذا كان منافياً لحقّه (2). و إذن الوالد أو الوالدة بالنسبة إلى ولدهما إذا كان مستلزماً لإيذائهما، و أمّا مع عدم المنافاة و عدم الإيذاء فلا يعتبر إذنهم و إن كان أحوط خصوصاً بالنسبة إلى الزوج و الوالد.

______________________________

المسجد تصرّف في المنافع التي يملكها مولاه.

نعم، إذا كان العبد مكاتباً و كان اعتكافه اكتساباً للمال ككونه أجيراً للغير في الاعتكاف عن ميّته أو وهبه الغير المال على أن يعتكف فلا يحتاج إلى إذن مولاه؛ لتحقّق إذنه بعقد الكتابة، و كذلك إذا كان العبد مبعّضاً فإن اعتكف في نوبة مولاه

فلا بد من كونه بإذنه لمّا مرّ، و أمّا إذا اعتكف في نوبته فلا يعتبر إذن مولاه، بل يصحّ اعتكافه حتّى مع نهي مولاه لحصول المهاياة و سقوط حقّ مولاه عنه في نوبة نفسه بالمهاياة.

إذن المستأجر للأجير

(1) و ليكن المراد من الأجير الخاصّ الذي آجر نفسه ليكون جميع منافعه للغير في المدّة المزبورة بحيث يدخل اعتكافه أيضاً فيما تملّكه المستأجر و إلّا بأن يكون أجيراً لعمل أو أعمال في تلك المدّة يكون اعتكافه ضدّاً خاصّاً لما وجب عليه بالإجارة فيمكن الأمر به على نحو الترتّب، و أمّا إذا لم يكن ضدّاً له كما إذا آجر نفسه على عمارة ذلك المسجد أو كنسه أو حفر بئر فيه و نحو ذلك فلا ينبغي التأمّل في صحّة اعتكافه.

إذن الزوج للزوجة

(2) بناءً على أنّ من حقّ الزوج على الزوجة عدم خروجها من بيتها بلا إذن

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 235

[الثامن استدامة اللبث في المسجد]

الثامن: استدامة اللبث في المسجد، فلو خرج عمداً اختياراً لغير الأسباب المبيحة بطل من غير فرق بين العالم بالحكم و الجاهل به.

و أمّا لو خرج ناسياً أو مكرهاً فلا يبطل (1)، و كذا لو خرج لضرورة عقلًا

______________________________

زوجها يكون اعتكافها منافياً لحقّ الزوج دائماً، و أمّا بالإضافة إلى صومها إذا كان تطوّعاً فالأحوط وجوباً اعتبار الإذن على ما مرّ في بيان أقسام الصوم.

ثمّ إنّ ما ذكر الماتن قدس سره من أنّ اعتكاف الولد إذا استلزم إيذاء الوالدين يعتبر إذنهما فيه لا يخلو عن تأمّل، بل المنع و ذلك فإنّ إيذاءهما أو إيذاء أحدهما تارة بعمل الولد في حقّهما سوءاً كضربهما و هتكهما بالاستهزاء قولًا أو فعلًا فلا ينبغي التأمّل في حرمته، بل كونه أغلظ

حرمة و أشدّ عقوبة فإنّه عقوق جزماً، و أُخرى يفعل الولد فعلًا لنفسه و يرى صلاحه فيه دنيويّاً أو أُخرويّاً و لكنّ والده أو والدته لا يرضى به و يتأذّيان من فعله ذلك، فإن كان قصده من ذلك الفعل تأذّيهما فلا يبعد أيضاً حرمة ذلك، فإنّ العمل لنفسه مع كون داعيه إلى اختياره تأذّي الوالدين يحسب إيذاءً و عقوقاً، بخلاف ما إذا كان قصده تحصيل الصلاح لنفسه كما إذا أراد الولد تزويج امرأة يتأذّى والده من التزويج بها أو يتأذّى الوالد من بقاء زوجيّة امرأة ولده على علقة الزوجيّة و يرى الولد صلاح نفسه في بقائها فالإطاعة في هذه الموارد لم يتمّ عليه دليل، و ترك الإطاعة لا يحسب خلاف المعاشرة بالمعروف و من ذلك القبيل اعتكاف الولد لإدراك ثوابه و الوالدان لا يرضيان بذلك بل يتأذّيان من اعتكافه فمثل ذلك لا يكون عقوقاً و لا مخالفاً للمعاشرة بالمعروف، و اللّٰه العالم.

استدامة اللبث

(1) و ما يذكر في وجه عدم بطلان الاعتكاف بالخروج نسياناً أنّ الأمر باللبث

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 236

..........

______________________________

في المسجد و النهي عن الخروج منه منصرفان عن صورة الغفلة و النسيان فالمأخوذ في متعلّق الأمر اللبث حال الالتفات و الذكر مع أنّ حديث الرفع و رفع النسيان مقتضاه أنّ الحكم المترتّب على المنسي لو لا النسيان و هو كونه داخلًا في متعلّق الأمر و جزءاً منه يرتفع عند النسيان فيكون الباقي في متعلّقه المكث في غير حال الغفلة و النسيان، و فيه أنّ الاعتكاف هو اللبث المستمر إلى ثلاثة أيّام أو أزيد و إذا خرج المكلّف عن المسجد قبل ذلك لا يكون مكثه مكثاً واحداً مستمرّاً إلى ثلاثة

أيّام، و أمّا الأمر بالمكث المنقطع في حال النسيان فاللازم في كونه اعتكافاً مستحبّاً و واجباً بعد يومين من قيام دليل عليه، كما هو الحال في الخروج عن المسجد للضرورة و الحاجة على ما يأتي فإنّ الأمر بالرجوع إلى المسجد بعد قضاء الحاجة كما يأتي دليل على كون المكث المنقطع معها متعلّق الأمر، و إلّا فالأصل عدم مشروعيّة الاعتكاف بنحو آخر.

لا يقال: الخطاب الدالّ على مطلوبيّة الاعتكاف بضميمة رفع النسيان يقتضي الأمر بذلك النحو من الاعتكاف.

فإنّه يقال: مقتضى حديث الرفع و رفع النسيان ارتفاع الحكم المتعلّق بالاعتكاف المستمر كما إذا خرج عن المسجد نسياناً بعد اليومين، و أمّا إثبات الأمر بالاعتكاف المنقطع فهو خارج عن مدلوله الذي هو الرفع لا الإثبات، و من الظاهر أنّ رفع الحكم الثابت للمنسي و هو جزئيّته من الاعتكاف يكون برفع الأمر بالكلّ.

و ممّا ذكرنا يظهر الحال في الخروج جهلًا قصوراً أو تقصيراً فإنّ رفع الحكم مع الجهل مع انحصاره بصورة القصور لا يثبت الأمر بالباقي واقعاً، و هذا بخلاف صورة الخروج عن إكراه فإنّه لا يبطل الاعتكاف به لدلالة مثل صحيحة الحلبي «1» الآتية

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 549، الباب 7 من أبواب الاعتكاف، الحديث 2.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 237

أو شرعاً أو عادة كقضاء الحاجة من بول أو غائط، أو للاغتسال من الجنابة أو الاستحاضة (1) و نحو ذلك.

و لا يجب الاغتسال في المسجد و إن أمكن من دون تلويث و إن كان أحوط.

و المدار على صدق اللبث فلا ينافيه خروج بعض أجزاء بدنه من يده أو رأسه أو نحوهما.

______________________________

على أنّ الخروج لحاجة لا يكون قادحاً في الاعتكاف، و الخروج فراراً عن الضرر المتوعّد به

يعدّ خروجاً للحاجة و الضرورة.

الخروج لضرورة

(1) إذا لم يمكن الاغتسال في المسجد أو استلزم الاغتسال فيه تلويث المسجد يكون الخروج لحاجة لا بدّ منها، و أمّا إذا أمكن الاغتسال فيه من غير تلويث فإن لم يكن مكثه في المسجد محرّماً كالمستحاضة و من مسّ الميّت فلا يبعد عدم جواز خروجه للاغتسال؛ لأنّ مع إمكانه فيه بلا محذر ليس له حاجة ممّا لا بدّ من الخروج إليها، و إن كان مكثه فيه محرّماً و كان زمان اغتساله في المسجد أكثر من زمان خروجه عنه كما هو الغالب فاللازم الخروج؛ لأنّ عدم جواز مكثه جنباً في المسجد مع وجوب الاغتسال عليه من الحاجة التي لا بدّ من الخروج.

و ممّا ذكر يظهر عدم جواز الخروج للأغسال الاستحبابيّة حتّى في صورة عدم إمكان الاغتسال في المسجد فإنّ الغسل الاستحبابي لا يعدّ الخروج له من الخروج للحاجة التي ممّا لا بدّ منها.

و على الجملة، ما ذكره الماتن قدس سره من عدم وجوب الاغتسال في المسجد و إن أمكن بلا تلويثه في الغسل الواجب لا يمكن المساعدة عليه، و إنّما لا يجب بل

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 238

[مسائل في أحكام الشروط]

[لو ارتدّ المعتكف في أثناء اعتكافه بطل]

(مسألة 1): لو ارتدّ المعتكف في أثناء اعتكافه بطل (1) و إن تاب بعد ذلك إذا كان ذلك في أثناء النهار بل مطلقاً على الأحوط.

[لا يجوز العدول بالنيّة من اعتكاف إلى غيره]

(مسألة 2): لا يجوز العدول بالنيّة من اعتكاف إلى غيره (2) و إن اتّحدا في الوجوب و الندب و لا عن نيابة ميّت إلى آخر أو إلى حيّ أو عن نيابة غيره إلى نفسه أو العكس.

______________________________

لا يجوز في مثل الجنب إذا كان مكثه في المسجد جنباً إلى تمام غسله أكثر من زمان خروجه عن المسجد أي صيرورته خارجه أو كان اغتساله فيه موجباً لتلويثه أو محذور آخر.

ارتداد المعتكف

(1) و ذلك لبطلان صومه بالارتداد و لا يصحّ الاعتكاف بلا صوم بل يبطل اعتكافه فإنّ الاعتكاف في نفسه عبادة لا تقع من الكافر و توبته بعد بطلانه لا يفيد شيئاً، بل يقال إنّ مكثه في المسجد حال الارتداد في نفسه حرام و الآية الشريفة و إن كانت مختصّة بالمشركين و بمسجد الحرام إلّا أنّ عنوان المشرك يعمّ سائر الكفّار موضوعاً، و يلحق سائر المساجد بمسجد الحرام حكماً بالإجماع و لا يخلو الأخير من تأمّل.

و ربّما يفصّل بين الارتداد نهاراً فيبطل و بين الارتداد ليلًا و توبته بعد ذلك فلا يبطل، و لعلّه مبني على عدم كون الاعتكاف إلّا في الأيّام و دخول الليالي لاستمرار المكث الواحد في الأيّام، و لكن قد تقدّم دخولها فيه و أنّه فيها أيضاً معتكف.

العدول من اعتكاف إلى آخر

(2) فإنّ صيرورة عمل عملًا آخر كما إذا كان كلّ منهما بالقصد بالعدول من المنوي إلى غيره في أثنائه أو بعد تمامه يحتاج إلى قيام دليل و مع عدم قيامه

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 239

[الظاهر عدم جواز النيابة عن أكثر من واحد في اعتكاف واحد]

(مسألة 3): الظاهر عدم جواز النيابة عن أكثر من واحد (1) في اعتكاف واحد. نعم، يجوز ذلك بعنوان إهداء الثواب فيصحّ إهداؤه إلى متعدّدين أحياء أو أمواتاً أو مختلفين.

[لا يعتبر في صوم الاعتكاف أن يكون لأجله]

(مسألة 4): لا يعتبر في صوم الاعتكاف أن يكون لأجله (2)، بل يعتبر فيه أن

______________________________

فالأصل عد مشروعيّة العدول.

نعم، لو انطبق العنوان الآخر على المنوي من الابتداء فقصد ذلك العنوان في الأثناء لا يكون من العدول كما تقدّم ذلك فيما إذا نذر صوم يوم و صام بعد النذر يوماً تطوّعاً، و هذا يجري في الاعتكاف أيضاً بالتقريب المتقدّم في الصوم.

النيابة في الاعتكاف

(1) النيابة عن المتعدّد في عمل واحد في مثل الصوم و الاعتكاف مشروعيّتها موقوفة على قيام الدليل كما تقدّم في باب الصوم و الذي قام به الدليل هي النيابة عن ميّت، و أمّا النيابة عن المتعدّد فلم يقم عليه دليل لا في الصوم و لا في الاعتكاف، بل و لا في الصلاة.

نعم، يجوز ذلك في باب الزيارات و الحج؛ لدلالة بعض الروايات على جوازها و الإتيان بالعمل عن نفسه و إهداء ثوابه للمتعدّد فهو لا بأس به، و هذا غير النيابة عن الغير في العمل.

لا يعتبر الصوم لأجل الاعتكاف

(2) و ذلك فإنّ ما دلّ على اشتراط الاعتكاف بالصوم مطلق يعمّ أيّ صوم

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 240

يكون صائماً أيّ صوم كان، فيجوز الاعتكاف مع كون الصوم استيجاريّاً أو واجباً من جهة النذر و نحوه، بل لو نذر الاعتكاف يجوز له بعد ذلك أن يؤجّر نفسه للصوم و يعتكف في ذلك الصوم و لا يضرّه وجوب الصوم عليه بعد نذر الاعتكاف، فإنّ الذي يجب لأجله هو الصوم الأعمّ من كونه له

أو بعنوان آخر، بل لا بأس بالاعتكاف المنذور مطلقاً في الصوم المندوب الذي يجوز له قطعه (1)، فإن لم يقطعه تمّ اعتكافه، و إن قطعه انقطع و وجب عليه الاستئناف.

______________________________

مشروع، و بما أنّ الصوم في نفسه عمل عبادي فلا بدّ من أن يقع بنحو قربي، و قصد التقرّب لا يتوقّف إلّا على مشروعيّة الصوم في نفسه، سواء كان واجباً بالأصل أو بالعارض أو كان مندوباً، و قد تقدّم كون الاعتكاف في رمضان أفضل مع أنّ الصوم فيه واجب بالأصل يؤتى امتثالًا للأمر به نفسيّاً.

و عليه فلا بأس أن يؤجّر نفسه للصوم عن ميّت و يعتكف بذلك الصوم حتّى ما إذا كان الاعتكاف منذوراً، و بلا فرق بين كونه منذوراً قبل إيجار نفسه للصوم عن الغير أم بعده، فإنّ الواجب عليه شرعاً بناءً على وجوب المقدّمة شرعاً طبيعي الصوم لا الصوم للاعتكاف فلا ينافي وجوب الوفاء بالنذر مع إيجار نفسه لصوم خاصّ و هو الصوم عن الغير.

(1) إنّما يجوز في الاعتكاف المنذور مطلق قطع الصوم المندوب في اليومين الأوّلين، و أمّا اليوم الثالث فلا يجوز قطع الصوم تطوّعاً فإنّ الصوم و لو كان تطوّعاً بعنوانه يكون من شرط الاعتكاف الذي يجب إتمامه، كما أنّه لو كان الاعتكاف منذوراً في أيّام معيّنة فلا يجوز قطع الصوم فيها و لو كان صومها فيها تطوّعاً، فإنّ الصوم و لو كان تطوّعاً قيد للاعتكاف الواجب بالنذر، و عدم جواز قطع الاعتكاف مقتضاه إبقاء الصوم.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 241

[يجوز قطع الاعتكاف المندوب في اليومين الأوّلين]

(مسألة 5): يجوز قطع الاعتكاف المندوب في اليومين الأوّلين و مع تمامهما يجب الثالث (1) و أمّا المنذور فإن كان معيّناً فلا يجوز قطعه مطلقاً و إلّا فكالمندوب.

[حكم صوم النذر أو الإجارة في الاعتكاف]

(مسألة 6): لو نذر الاعتكاف في أيّام معيّنة و كان عليه صوم منذور أو واجب لأجل الإجارة يجوز له أن يصوم في تلك الأيّام وفاءً عن النذر أو الإجارة.

نعم، لو نذر الاعتكاف في أيّام مع قصد كون الصوم له و لأجله لم يجز عن النذر أو الإجارة.

______________________________

قطع الاعتكاف

(1) و يشهد لذلك صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «إذا اعتكف يوماً و لم يكن اشترط فله أن يخرج و يفسخ الاعتكاف، و إن أقام يومين و لم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتّى تمضي ثلاثة أيّام» «1» و يأتي المراد من الاشتراط و عن جماعة الالتزام بوجوب الإتمام بالشروع في الاعتكاف؛ لما ورد في موثّقة سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن معتكف واقع أهله؟ فقال: «هو بمنزلة من أفطر يوماً من شهر رمضان» «2» فإنّ مقتضاها عدم قطع الاعتكاف و لو في اليوم الأوّل؛ لأنّ ثبوت الكفّارة يكشف عن مخالفة التكليف، كما هو الحال في إفطار شهر رمضان، و فيه أنّ الكفّارة تختصّ بصورة وجوب الاعتكاف و حرمة إبطاله كما ذكر إلّا أنّ حرمة الإبطال لا يكون قبل تمام اليوم الثاني كما دلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم، فالصحيحة حاكمة على ما دلّ على ثبوت الكفّارة و كون الجماع كالإفطار في نهار شهر رمضان.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 543، الباب 4 من أبواب الاعتكاف، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 10: 547، الباب 6 من أبواب الاعتكاف، الحديث 2.

تنقيح مباني العروة -

كتاب الاعتكاف، ص: 242

[لو نذر اعتكاف يوم أو يومين فإن قيّد بعدم الزيادة بطل نذره]

(مسألة 7): لو نذر اعتكاف يوم أو يومين فإن قيّد بعدم الزيادة بطل نذره (1) و إن لم يقيّده صحّ و وجب ضمّ يوم أو يومين.

[لو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام معينة أو أزيد فاتّفق كون الثالث عيداً بطل من أصله]

(مسألة 8): لو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام معينة أو أزيد فاتّفق كون الثالث عيداً بطل من أصله و لا يجب عليه قضاؤه؛ لعدم انعقاد نذره لكنّه أحوط (2).

[لو نذر اعتكاف يوم قدوم زيد بطل]

(مسألة 9): لو نذر اعتكاف يوم قدوم زيد بطل (3) إلّا أن يعلم يوم قدومه قبل الفجر و لو نذر اعتكاف ثاني يوم قدومه صحّ و وجب عليه ضمّ يومين آخرين.

______________________________

نذر الاعتكاف

(1) لأنّه لا يكون الاعتكاف بأقلّ من ثلاثة أيّام كما في صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا يكون الاعتكاف أقلّ من ثلاثة و من اعتكف صام» «1» و أمّا إذا أراد في نذره البقاء في المسجد للعبادة يوماً أو يومين فهذا أمر لا يبعد أن يقال بصحّة نذره؛ لأنّ البقاء فيه للعبادة أمر مرغوب إليه و لا يشترط فيه صوم، و لا يترتّب عليه من سائر أحكام الاعتكاف بشي ء.

(2) لم يظهر للاحتياط وجه صحيح بعد دلالة صحيحة أبي بصير المتقدّمة أنّ الاعتكاف لا يكون أقلّ من ثلاثة و من يعتكف صام، و تقدّم في غيرها أيضاً أنّه: «لا اعتكاف إلّا بصوم» «2».

نعم، إذا كان المنذور عامّاً بأن نذر الاعتكاف في الخميس الآخر من كلّ شهر فصادف اليوم الثالث أو الثاني من آخر خميس رمضان يوم العيد فلاحتمال القضاء وجه لاحتمال كونه كنذر الصوم في كلّ خميس فصادف خميس يوم العيد.

(3) ظاهر كلامه أنّ البطلان لأجل أنّه لا يصلح يوم وروده لأوّل أيّام الاعتكاف

______________________________

(1) الكافي 4: 177، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 10: 536، الباب 2 من أبواب الاعتكاف، الحديث 3.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 243

[لو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام من دون الليلتين لم ينعقد]

(مسألة 10): لو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام من دون الليلتين المتوسّطتين لم ينعقد.

[لو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام أو أزيد لم يجب إدخال الليلة الأُولى فيه]

(مسألة 11): لو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام أو أزيد لم يجب إدخال الليلة الأُولى فيه، بخلاف ما إذا نذر اعتكاف شهر فإنّ الليلة الأُولى جزء من الشهر.

[لو نذر اعتكاف شهر يجزئه ما بين الهلالين]

(مسألة 12): لو نذر اعتكاف شهر يجزئه ما بين الهلالين (1) و إن كان ناقصاً، و لو كان مراده مقدار شهر وجب ثلاثون يوماً (2).

[لو نذر اعتكاف شهر وجب التتابع]

(مسألة 13): لو نذر اعتكاف شهر وجب التتابع (3).

______________________________

إلّا أن يعلم أنّه يطّلع على يوم قدومه قبل الفجر من ذلك اليوم، و لكن يمكن الالتزام بصحّة النذر و أنّه يجب عليه الصيام في الأيّام المحتملة بقدومه فيها و إذا قدم في واحد منها يعتكف من ذلك اليوم و لكن لا يحسبه من الأيّام الثلاثة، بل يتمّ اعتكافه بثلاثة أيّام من بعد ذلك اليوم فإنّ وجوب الصيام عليه كذلك لعلمه الإجمالي المتعلّق بالتدريجيّات.

(1) لمّا تقدّم من عدم وجوب تتميم كلّ اثنين بثالث كما التزم به جماعة، و الشهر ظاهره بين الهلالين، كان تامّاً أو ناقصاً.

(2) فإنّ الشهر و إن كان مقداره ناقصاً تارة و ثلاثين يوماً أُخرى و يصدق على كلّ منهما مقدار الشهر إلّا أنّ مقتضى إطلاق التحديد بمقدار الشهر ينصرف بحسب المتعارف إلى ثلاثين يوماً فإنّ غيره يحتاج إلى بيان.

(3) و ذلك فإنّ أجزاء الشهر متتابعة و متتالية فيكون الصوم أو الاعتكاف المنذور فيها متتابعة، و على ذلك فلو أخلّ بالتتابع يوماً أو أكثر لا يكون المأتي به منذوراً و لا وفاءً بالنذر.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 244

و أمّا لو نذر مقدار الشهر جاز له التفريق ثلاثة ثلاثة إلى أن يكمل ثلاثون يوماً، بل لا يبعد جواز التفريق يوماً فيوماً (1) و يضمّ إلى كلّ واحد يومين آخرين، بل الأمر كذلك في كلّ مورد لم يكن المنساق منه هو التتابع.

[لو نذر الاعتكاف شهراً فأخلّ بيوم أو أزيد بطل]

(مسألة 14): لو نذر الاعتكاف شهراً أو زماناً على وجه التتابع سواء شرطه لفظاً أم كان المنساق منه ذلك فأخلّ بيوم أو أزيد بطل و إن كان ما مضى ثلاثة فصاعداً و استأنف آخر مع مراعاة التتابع فيه. و إن كان

معيّناً و قد أخلّ بيوم أو أزيد وجب قضاؤه و الأحوط التتابع فيه أيضاً، و إن بقي شي ء من ذلك الزمان المعيّن بعد الإبطال بالإخلال فالأحوط ابتداءً القضاء منه.

[لو نذر اعتكاف أربعة أيّام فأخلّ بالرابع وجب قضاء ذلك اليوم]

(مسألة 15): لو نذر اعتكاف أربعة أيّام فأخلّ بالرابع و لم يشترط التتابع و لا كان منساقاً من نذره وجب قضاء ذلك اليوم و ضمّ يومين (2) آخرين و الأولى جعل المقضي أوّل الثلاثة و إن كان مختاراً في جعله أيّاً منها شاء.

______________________________

(1) الظاهر مراده جواز إنشاء الاعتكاف ثلاثين مرّة و تكميل كلّ يوم ينشأ فيه الاعتكاف بيومين آخرين ليصحّ الاعتكاف المنشأ في كلّ مرّة و يتمّ تمام المنذور باللبث في المسجد تسعين يوماً، و لكنّ هذا لا يصحّ؛ و ذلك فإنّ بإكمال المرّة العاشرة يتحقّق المنذور و هو اعتكاف مقدار الشهر فيسقط التكليف بالوفاء بالنذر فلا يكون الاعتكاف بعد ذلك مصداقاً للوفاء بالنذر.

نعم، لو كان المنذور هو إنشاء الاعتكاف بمقدار الشهر تعيّن ما ذكر و لا يكون عشر مرّات وفاءً بالنذر.

و على الجملة، لا يجوز الامتثال إلّا بنحو منهما لا بكلّ منهما كما هو ظاهر الماتن قدس سره.

(2) لا يخفى التسامح في تعبيره فإنّ مع عدم اشتراط التتابع في اليوم الرابع كما

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 245

[لو نذر اعتكاف خمسة أيّام وجب أن يضمّ إليها سادساً]

(مسألة 16): لو نذر اعتكاف خمسة أيّام وجب أن يضمّ إليها سادساً سواء تابع أو فرّق بين الثلاثتين.

[لو نذر زماناً معيّناً و تركه وجب قضاؤه]

(مسألة 17): لو نذر زماناً معيّناً شهراً أو غيره و تركه نسياناً أو عصياناً أو اضطراراً وجب قضاؤه (1).

______________________________

هو ظاهر كلامه يكون الإتيان به منفصلًا وفاءً لنذره و حيث إنّ منذوره اعتكاف اليوم الرابع صحيحاً فعليه ضمّ يومين آخرين ليتمّ الوفاء بالنذر بالوفاء الصحيح.

نعم، الوفاء الصحيح لا ينحصر على ذلك بل كان يجوز أن يعتكف أربعة أيّام متتابعة و كما أنّ الوفاء بهذا النحو لا يكون قضاءً كذلك الوفاء به بالنحو السابق.

(1) قد تقدّم عدم قيام ما يصلح للاعتماد عليه في الالتزام بالقضاء في كلّ واجب فات عن المكلّف في وقته مع العذر أو بلا عذر؛ و لذا لا بدّ في الالتزام بوجوب قضاء الاعتكاف المنذور في وقت معيّن خارج ذلك الوقت من قيام دليل عليه، و قد ادّعى أنّه الإجماع، و لكن لا يخفى إمكان كون المدرك لهم بعض الروايات الواردة في فوت الصلاة أو المرسل المروي: «من فاتته فريضة فليقضها» «1» ممّا تقدّم نقلها سابقاً أو بعض الروايات في قضاء خصوص الاعتكاف.

و على كلّ، لم يحرز إجماع تعبّدي في المقام، بل لا أقلّ من احتمال كونه مدركيّاً، و لكن يمكن الالتزام بوجوب قضاء الاعتكاف الواجب بصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا مرض المعتكف أو طمثت المرأة المعتكفة فإنّه يأتي بيته ثمّ يعيد إذا برئ و يصوم» «2».

و قد نوقش بأنّ هذه الصحيحة مختصّة بما إذا كان الاعتكاف الواجب بنحو

______________________________

(1) غوالي اللآلي 2: 54، الحديث 143.

(2) وسائل الشيعة 10: 554، الباب 11 من أبواب الاعتكاف، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني

العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 246

..........

______________________________

الواجب الموسّع، و إذا حصل له العذر في إتمام ما شرع فيه من مرض أو حيض يخرج عن المسجد ثمّ يأتي به بعد ارتفاع العذر كما هو ظاهر الأمر بالإعادة، و فيه أنّ الإعادة بمعناها اللغوي و هو تكرار العمل يعمّ ما إذا كان التكرار قبل خروج الوقت و بعدها نظير قوله عليه السلام و من صلّى في ثوب أصابه الخمر أو البول ناسياً يعيد الصلاة.

و بتعبير آخر، لا بدّ من رفع اليد عن إطلاق الصحيحة فيما إذا كان المرض أو الحيض قبل تمام اليومين فيما كان الاعتكاف مستحبّاً لدلالة صحيحة محمّد بن مسلم «1» على جواز رفع اليد عن الاعتكاف فيه حتّى مع عدم العذر و يؤخذ به في الباقي.

و بتعبير آخر، لا مانع من الجمع بين الأمر الإرشادي و التكليفي و الأمر بالإعادة فيما كان الاعتكاف المنذور بنحو الواجب الموسّع أو المطلق إرشاد إلى لزوم امتثال التكليف الحادث من قبل و عدم سقوطه و فيما كان بنحو الواجب المضيّق تكليف مولوي بالإضافة إلى قضائه المصطلح.

نعم، هذه الصحيحة لا تعمّ ما إذا ترك الشخص الاعتكاف المنذور المعيّن نسياناً أو عصياناً و التعدّي إلى ذلك يحتاج إلى الاطمئنان بعدم الفرق بين رفع اليد عن الاعتكاف السابق قبل إتمامه لعذر و بين رفع اليد عنه عمداً أو تركه عذراً أو عصياناً، و مثلها صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في المعتكفة إذا طمثت قال:

«ترجع إلى بيتها فإذا طهرت رجعت فقضت ما عليها» «2» فإنّ القضاء و إن كان بالمعنى اللغوي يشمل الإعادة و القضاء الاصطلاحيين إلّا أنّ ظاهرها يعني عدم الاستفصال

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 543، الباب

4 من أبواب الاعتكاف، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 10: 554-/ 555، الباب 11 من أبواب الاعتكاف، الحديث 3.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 247

و لو غمّت الشهور فلم يتعيّن عنده ذلك المعيّن عمل بالظنّ (1)، و مع عدمه يتخيّر بين موارد الاحتمال.

______________________________

في الجواب بأنّها كانت معتكفة في المنذور المطلق أو المعيّن مقتضاه كون الأمر بالقضاء إرشاد إلى التكليف عليهما بالإتيان بعد زوال العذر و كون الاعتكاف عليها.

نعم، يمكن المناقشة في شمولها للمنذور المعيّن بأنّ الوارد في الصحيحة قضاء ما عليها، و مع الطمث في المنذور المعيّن ينكشف بطلان النذر و عدم كون الاعتكاف عليها فالموضوع للقضاء الوارد وجوبها غير محرز إلّا في الواجب المطلق أو الموسع.

و في موثقة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «و أيّ امرأة كانت معتكفة ثمّ حرمت عليها الصلاة فخرجت من المسجد فطهرت فليس ينبغي لزوجها أن يجامعها حتّى تعود إلى المسجد و تقضي اعتكافها» «1» و لكن من الظاهر أنّ اعتكاف المرأة بعد بطلانها لا يوجب حرمة وطئها على زوجها، فغاية الأمر ما ورد فيها أمر استحبابي لا يدلّ على وجوب قضاء الاعتكاف على المرأة إذا كان الاعتكاف السابق من المنذور المعيّن.

لو غمّت الشهور

(1) مقتضى العلم الإجمالي الاحتياط في أطرافه يعني الاعتكاف في الأيّام المحتملة كون الاعتكاف فيها متعلّق النذر إلى أن يكون الاحتياط في باقي المحتملات حرجيّاً فإنّ الباقي إن كان الاعتكاف فيه منذوراً يرتفع وجوبه للحرج و إن كان المنذور قد مضى فقد وفى بالنذر.

______________________________

(1) الوسائل 2: 368، الباب 51 من أبواب الحيض، الحديث 2.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 248

[يعتبر في الاعتكاف الواحد وحدة المسجد]

(مسألة 18): يعتبر في الاعتكاف الواحد وحدة المسجد (1)،

فلا يجوز أن يجعله في مسجدين، سواء أ كانا متّصلين أم منفصلين.

نعم، لو كانا متّصلين على وجه يعدّ مسجداً واحداً فلا مانع.

______________________________

و قد يقال يبنى على عدم كون الأيّام أيّام الاعتكاف المنذور و عدم النذر فيها إلى أنّ يعلم أن أيّام نذره إمّا هذا الزمان أو مضى قبل ذلك فيستصحب بقاء زمان نذره فيعتكف فيه نظير ما تقدّم ذلك في باب الصوم في الأسير و المحبوس إذا لم يتمكّنا من تحصيل العلم بالشهر، و قد تقدّم أنّ هذا الاستصحاب معارض بالمثل؛ لأنّه يعلم إجمالًا أنّ أيّاماً لم تكن أيّام منذوره قطعاً فيحتمل بقاء تلك الأيّام فعلًا و لو باحتمال انقضاء ذلك المعيّن قبل ذلك.

و أمّا ما ذكر الماتن من العمل بالظن فلا دليل على اعتباره في المقام و قد ذكرنا في بحث العلم الإجمالي أنّ مع عدم تنجّزه بمرتبة الموافقة القطعيّة تصل النوبة إلى الموافقة الاحتماليّة و أنّ الظن غير المعتبر حكم الشكّ و داخل في الموافقة الاحتماليّة.

اعتبار وحدة المسجد

(1) لظهور الروايات الدالّة على كون الاعتكاف في مسجد جامع كونه في مسجد واحد، و مع الإغماض عنه يدلّ عليه ما ورد في أنّ المعتكف إذا خرج من المسجد الجامع لحاجة لا بدّ منها لا يجلس حتّى يرجع «1»، و ما ورد في أنّ المعتكف لا يصلّي إلّا في المسجد الذي سمّاه «2»، و لا فرق بين كون المسجد الآخر منفصلًا عنه أو متصلًا به.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 549، الباب 7 من أبواب الاعتكاف، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 10: 551، الباب 8 من أبواب الاعتكاف، الحديث 2.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 249

[لو اعتكف في مسجد ثمّ اتّفق مانع من إتمامه فيه بطل و وجب استئنافه أو قضاؤه]

(مسألة 19): لو اعتكف في مسجد ثمّ اتّفق مانع من

إتمامه فيه من خوف أو هدم أو نحو ذلك بطل و وجب استئنافه أو قضاؤه إن كان واجباً في مسجد آخر أو ذلك المسجد إذا ارتفع عنه المانع و ليس له البناء، سواء كان في مسجد آخر أو في ذلك المسجد بعد رفع المانع (1).

[سطح المسجد و سردابه و محرابه منه]

(مسألة 20): سطح المسجد و سردابه (2) و محرابه منه ما لم يعلم خروجها، و كذا مضافاته إذا جعلت جزءاً منه كما لو وسّع فيه.

[إذا عيّن موضعاً خاصاً من المسجد محلًا لاعتكافه لم يتعيّن]

(مسألة 21): إذا عيّن موضعاً خاصاً من المسجد محلًا لاعتكافه لم يتعيّن و كان قصده لغواً.

[قبر مسلم و هاني ليس جزءاً من مسجد الكوفة]

(مسألة 22): قبر مسلم و هاني ليس جزءاً من مسجد الكوفة على الظاهر.

[إذا شكّ في موضع من المسجد أنّه منه لم يجرِ عليه حكم المسجد]

(مسألة 23): إذا شكّ في موضع من المسجد أنّه جزءاً منه أو من مرافقه لم يجرِ عليه حكم المسجد.

______________________________

نعم، إذا عدّا مسجداً واحداً و عدّ كلّ منهما جزءاً من ذلك المسجد الواحد فلا بأس بالانتقال و التردّد و المكث فيهما، و من ذلك توسعة المسجد و إلحاق جزء آخر به كما هو المتعارف في عصرنا الحاضر.

(1) الظاهر جواز البناء في ذلك المسجد إذا كان زمان الخروج قصيراً بحيث لا يزول عنوان الاعتكاف الواحد فإنّ الخروج لحفظ نفسه من الضرر يعدّ من الخروج لحاجة لا بدّ منها.

(2) في البلاد التي يتعارف فيها جعل السطح و السرداب مسجداً و يتلقّون الناس السطح و السرداب مسجداً فالأمر كذلك، و أمّا البلاد التي لا يتعارف فيها جعل الطرف الخارج من السطح و فضاءه مسجداً أو يجعل للمسجد سرداباً للممانعة من

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 250

[لا بدّ من ثبوت كونه مسجداً أو جامعاً]

(مسألة 24): لا بدّ من ثبوت كونه مسجداً أو جامعاً، بالعلم الوجداني أو الشياع المفيد للعلم (1) أو البيّنة الشرعيّة و في كفاية خبر العدل الواحد إشكال.

و الظاهر كفاية حكم الحاكم الشرعي (2).

[لو اعتكف في مكان باعتقاد المسجديّة أو الجامعيّة فبان الخلاف تبيّن البطلان]

(مسألة 25): لو اعتكف في مكان باعتقاد المسجديّة أو الجامعيّة فبان الخلاف تبيّن البطلان.

______________________________

سراية الرطوبة إلى المسجد، فمع عدم إحراز وقفهما مسجداً يحكم بعدم مسجديّتهما أخذاً باستصحاب عدم وقفهما مسجداً، و الظاهر أنّ المحكي عن الشهيد «1» من عدم كون سطح المسجد مسجداً ناظر إلى هذا الفرض لا سطوح المساجد في البلاد الحارّة المتعارف الصلاة و إقامة الجماعات فيها أيّام الصيف.

و ممّا ذكر يظهر الوجه في المسألة الثالثة و العشرين.

(1) أو المفيد للاطمئنان و الوثوق فإنّه مورد الاعتبار في السيرة عند المتشرّعة خصوصاً في الموقوفات، و كذلك خبر الثقة إذا كان إخباره عن الحسّ بالواقعة بلا واسطة أو معها، كما هو الحال في سائر الموضوعات إلّا ما جعل إلى ثبوته عند عدم العلم طريق خاصّ كما في موارد الترافع و الدعاوي و نحوها من بعض الموضوعات.

(2) هذا إذا كان حكمه بمسجديّة أرض أو البناء في مقام الترافع، كما إذا وقع النزاع بين ورثة الميّت فادّعى بعضهم كون أرض أو بناء من تركة مورّثهم و أنكر البعض الآخر و ادّعوا الوقف مسجداً، فإنّه إذا حكم الحاكم بمسجديّته يترتّب عليه آثار المسجديّة كما هو مقتضى نفوذ قضائه.

______________________________

(1) حكاه السيد الخوئي في المستند في شرح العروة الوثقى 22: 430، كتاب الاعتكاف، و انظر الدروس 1: 300.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 251

[لا فرق في وجوب كون الاعتكاف في المسجد الجامع بين الرجل و المرأة]

(مسألة 26): لا فرق في وجوب كون الاعتكاف في المسجد الجامع بين الرجل و المرأة (1) فليس لها الاعتكاف في المكان الذي أعدّته للصلاة في بيتها، بل و لا في مسجد القبيلة و نحوها.

[الأقوى صحّة اعتكاف الصبي المميّز]

(مسألة 27): الأقوى صحّة اعتكاف الصبي المميّز (2)، فلا يشترط فيه البلوغ.

[لو اعتكف العبد بدون إذن المولى بطل]

(مسألة 28): لو اعتكف العبد بدون إذن المولى بطل و لو اعتق في أثنائه لم يجب عليه إتمامه (3).

______________________________

(1) للإطلاق في مثل صحيحة الحلبي: «لا اعتكاف إلّا بصوم في مسجد الجامع» «1» و ما ورد من أنّ: «مسجد المرأة بيتها» «2» ناظرة إلى فضل ثواب صلاتها إلّا أنّ بيتها بالإضافة إليها مسجد يترتّب على بيتها آثار المسجديّة و مع الإغماض عن ذلك بيتها منزّل منزلة المسجد لا المسجد الجامع. أضف إلى ذلك ما ورد في صحيحة داود بن سرحان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد الجامع إلّا لحاجة لا بدّ منها ثمّ لا يجلس حتّى يرجع و المرأة مثل ذلك» «3».

اعتكاف الصبي

(2) لا يبعد شمول إطلاق أدلّة المستحبّات للصبي المميّز أو دعوى الاطمئنان بعدم الفرق بين الصلاة و الصوم و الحجّ و غيرها من المستحبّات البدنيّة.

(3) لوقوع الاعتكاف فاسداً و لو كان حين حدوثه صحيحاً كما إذا كان بإذن مولاه ثمّ أُعتق في الأثناء فإن كان قبل تمام اليومين فيجوز له قطع الاعتكاف إذا لم يكن منذوراً له، و إن كان بعد تمام اليومين يجب عليه إتمامه كما هو مقتضى ما دلّ على أنّه إذا أقام يومين فليس له أن يخرج.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 538، الباب 3 من أبواب الاعتكاف، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 5: 236، الباب 30 من أبواب أحكام المساجد.

(3) وسائل الشيعة 10: 549، الباب 7 من أبواب الاعتكاف، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 252

و لو شرع فيه بإذن المولى ثمّ أُعتق في الأثناء فإن كان في اليوم

الأوّل أو الثاني لم يجب عليه الإتمام إلّا أن يكون من الاعتكاف الواجب، و إن كان بعد تمام اليومين وجب عليه الثالث، و إن كان بعد تمام الخمسة وجب السادس.

[إذا أذن المولى لعبده في الاعتكاف جاز له الرجوع عن إذنه ما لم يمض يومان]

(مسألة 29): إذا أذن المولى لعبده في الاعتكاف جاز له الرجوع عن إذنه ما لم يمض يومان و ليس له الرجوع بعدهما لوجوب إتمامه حينئذٍ.

و كذا لا يجوز له الرجوع إذا كان الاعتكاف واجباً بعد الشروع فيه من العبد.

[يجوز للمعتكف الخروج من المسجد للضرورات]

(مسألة 30): يجوز للمعتكف الخروج من المسجد لإقامة الشهادة أو لحضور الجماعة (1) أو لتشييع الجنازة و إن لم يتعيّن عليه هذه الأُمور و كذا في سائر الضرورات العرفيّة أو الشرعيّة الواجبة أو الراجحة سواء كانت متعلّقة بأُمور الدنيا أو الآخرة ممّا ترجع مصلحته إلى نفسه أو غيره و لا يجوز الخروج اختياراً بدون أمثال هذه المذكورات.

______________________________

الخروج من المسجد

(1) قد تقدّم عدم جواز الخروج من المسجد للمعتكف إلّا لحاجة لا بدّ منها و يشهد لذلك ما في صحيحة داود بن سرحان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد الجامع إلّا لحاجة لا بدّ منها ثمّ لا يجلس حتّى يرجع و المرأة مثل ذلك» «1» و في صحيحته الأُخرى: كنت بالمدينة في شهر رمضان فقلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّي أريد أن اعتكف فما ذا أقول و ما ذا أفرض على نفسي؟ فقال:

«لا تخرج من المسجد إلّا لحاجة لا بدّ منها» الحديث «2» و بالتقييد الوارد فيهما بكون الحاجة ممّا لا بدّ منها و كذا في صحيحة الحلبي «3» يرفع اليد عن الإطلاق في موثّقة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 549، الباب 7 من أبواب الاعتكاف، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 10: 550، الباب 7 من أبواب الاعتكاف، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 10: 549، الباب 7 من أبواب الاعتكاف، الحديث 2.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 253

..........

______________________________

عبد اللّه

بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «و لا يخرج المعتكف من المسجد إلّا في حاجة» «1».

نعم، جميعها يعمّ ما إذا كانت اللابديّة في حاجة دينيّة أو دنيويّة كما إذا قدم غريمه البلد و توقّف ملاقاته و أخذ ماله منه على الخروج إليه فإنّ مثل ذلك أيضاً داخل في الحاجة التي لا بدّ منها، و أمّا في غير ذلك فمقتضى الروايات عدم جواز الخروج إلّا أنّه ورد في بعض الروايات جواز الخروج لبعض الأُمور الراجحة كالخروج لعيادة مريض أو تشييع جنازة، و في صحيحة الحلبي المتقدّمة: و لا يخرج في شي ء إلّا لجنازة أو يعود مريضاً» «2».

و ورد في صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «ليس للمعتكف أن يخرج من المسجد إلّا إلى الجمعة أو جنازة أو غائط» «3».

و في رواية ميمون بن مهران قال: كنت جالساً عند الحسن بن علي عليه السلام فأتاه رجل فقال له: يا ابن رسول اللّٰه إنّ فلاناً له عليّ مال و يريد أن يحبسني، فقال: و اللّٰه ما عندي مال فأقضي عنك، قال: فكلّمه، قال: فلبس (عليه السلام) نعله فقلت له: يا ابن رسول اللّٰه أنسيت اعتكافك؟ فقال له: لم أنس و لكنّي سمعت أبي يحدّث عن جدّي رسول اللّٰه أنّه قال: من سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنّما عبد اللّٰه عزّ و جلّ تسعة آلاف سنة صائماً نهاره قائماً ليله» «4» فاستظهر من هذه الروايات جواز الخروج للأُمور الراجحة من المسجد.

و لكن لا يخفى أنّه لا يمكن ذلك فإنّ رواية ميمون بن مهران ضعيفة سنداً و ليس

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 550، الباب 7 من أبواب الاعتكاف، الحديث 5.

(2) وسائل

الشيعة 10: 549، الباب 7 من أبواب الاعتكاف، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 10: 550-/ 551، الباب 7 من أبواب الاعتكاف، الحديث 6.

(4) وسائل الشيعة 10: 550، الباب 7 من أبواب الاعتكاف، الحديث 4.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 254

[لو أجنب في المسجد و لم يمكن الاغتسال فيه وجب عليه الخروج]

(مسألة 31): لو أجنب في المسجد و لم يمكن الاغتسال فيه وجب عليه الخروج (1)، و لو لم يخرج بطل (2) اعتكافه، لحرمة لبثه فيه.

______________________________

فيها دلالة على أنّ خروجه عليه السلام لم يكن لإعراضه عن اعتكافه؛ لعدم تمام اليومين و ثالثاً غايتها جواز الخروج لقضاء حاجة المؤمن لا الخروج لمطلق أمر راجح و لو في اليوم الثالث، و ما ورد في غيره الخروج إلى الجنازة تشييعاً أو تغسيلًا أو لدفنه أو الخروج لعيادة المريض و الجمعة فيقتصر في جواز الخروج على الحصر الوارد فيها إلّا في مورد الوثوق بعدم الفرق بينه و بين ما ورد فيها في جواز الخروج كإقامة الشهادة، و أمّا الخروج لحضور الجماعة فلا يدخل فيها، بل الروايات الواردة في صلاة المعتكف في مسجد آخر مقتضاها أنّه يصلّي في مسجده حتّى مع إقامة الجماعة في غير مسجده الذي اعتكف فيه إلّا في مكّة.

و على الجملة، الالتزام بجواز الخروج في مطلق أمر راجح شرعي و إن لم يعدّ من الحاجة التي لا بدّ منها مشكل بل مقتضى الروايات عدم جوازه.

ثمّ إنّ عدم الجواز بمعنى بطلان الاعتكاف بذلك الخروج و إن كان زمانه قصيراً، و أمّا في موارد الحاجة التي لا بدّ منها أو في الموارد التي ذكرنا جواز الخروج فيها فإن لم يكن زمان الخروج كثيراً بحيث لا تزول صورة الاعتكاف به فيرجع إلى اعتكافه، و أمّا إذا طال الاضطرار و زمان

الخروج بحيث زالت صورته فالبناء على الاعتكاف السابق لا يمكن لزوال صورته و ظهور الروايات في بقاء صورته.

(1) هذا إذا كان زمان صيرورته خارج المسجد أقلّ مكثاً في المسجد جنباً من زمان تمام غسله في المسجد، و إلّا بأن كان زمان تمام غسله أقلّ من زمان المشي جنباً ليصير خارج المسجد فلا يجب الخروج بل لا يجوز؛ لعدم حاجة موجبة للخروج كما تقدّم في ذيل الشرط الثامن.

(2) قد يمنع عن بطلان الاعتكاف في صورتين:

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 255

..........

______________________________

إحداهما: ما إذا احتلم المعتكف في أواخر اليوم الثالث بحيث لو خرج عن المسجد و اغتسل لغربت الشمس و ينتهى اليوم، فإنّه إذا لم يخرج بعد الاحتلام و بقي في المسجد فبقاؤه و إن كان محرّماً إلّا أنّ اعتكافه قد انتهى باحتلام و الأمر بالخروج فلا يضرّ ارتكابه المحرّم بعد ذلك موجباً لفساد اعتكافه حتّى إذا قصد بمكثه فيه إتمام الاعتكاف؛ لأنّ الموجود بهذا القصد و إن كان تشريعاً، و لكن لا ينقلب ما وقع من قبل من الاعتكاف بقصد التقرّب عن الصحّة و لم يقم دليل في الاعتكاف أنّ الزيادة فيه كالزيادة في الصلاة موجبة للبطلان حتّى إذا كان قصد الزيادة وقع بعد تمام العمل.

و ثانيتهما: ما إذا مكث في المسجد جنباً بمقدار خروجه عن المسجد و الاغتسال خارجه و قبل تمام ذلك المقدار جي ء بالماء إلى المسجد و اغتسل فيه و كان المجموع بذلك المقدار، فإنّ في الفرض ليس مقدار المكث المحرّم من متعلّق الأمر بالمكث في المسجد لتكون حرمته موجبة لعدم حصول متعلّق الأمر، بل المأخوذ في متعلّقه مكثان في طرفي مقدار المكث المكث المحرم كما هو مقتضى أمره بالخروج و

الاغتسال خارجه.

و على الجملة، بطلان الاعتكاف بالمكث في المسجد جنباً ينحصر في ما إذا كان زمان المكث كذلك أزيد من زمان الخروج و الاغتسال في الخارج.

و لكن يمكن أن يقال إنّه إذا قصد التقرّب في الصورة الثانية بمجموع المكث المحرّم و المحلّل بطل اعتكافه؛ لفقد قصد التقرّب حيث إنّ هذا النحو من قصد التقرّب تشريع.

و يمكن المناقشة في الصورة الأُولى بعدم الدليل على صحّة الاعتكاف فيها؛ لأنّ ما دلّ على عدم مانعيّة الخروج ما إذا رجع إلى المسجد بعد قضاء الضرورة و إلّا فمقتضى ما دلّ على أنّ الاعتكاف لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام عدمه هاهنا.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 256

[إذا غصب مكاناً من المسجد سبق إليه غيره فالأقوى بطلان اعتكافه]

(مسألة 32): إذا غصب مكاناً من المسجد سبق إليه غيره بأن أزاله و جلس فيه فالأقوى بطلان اعتكافه (1).

______________________________

بطلان الاعتكاف بالغصب

(1) ما ذكر قدس سره مبني على أنّه إذا سبق أحد إلى موضع من المسجد يوجب الحقّ له في ذلك الموضع بمعنى اختصاصه به إلى أن يعرض عنه، فيكون مكثه في ذلك الموضع إتلافاً لحقّ الغير فيه فيبطل كما هو مقتضى تقديم خطاب النهي عن إطلاق خطاب الأمر في موارد التركيب الاتحادي بين عنواني المحرّم و الواجب، و لكن قد يقال إنّ الثابت من الحقّ للسابق عدم جواز مزاحمته في ذلك المكان لا اختصاص ذلك المكان به و لو زاحمه و منعه عن الجلوس و الصلاة فيه فهو أمر محرّم، و أمّا انتفاع المزاحم عن ذلك المكان لا بأس به، نظير ما ذكره بعضهم من كون وليّ الميّت أولى بالميّت معناه عدم جواز مزاحمة غير الولي للولي في الصلاة على الميّت، و لكن لو زاحمه و منعه تكون صلاة

المزاحم على الميّت صحيحاً؛ لعدم اختصاص تجهيزه بالولي.

أقول: ورد في موثقة طلحة بن زيد: «سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق إلى مكان فهو أحقّ به إلى الليل» «1» و المتيقّن من مدلولها عدم جواز المزاحمة و ممانعته عن الانتفاع بذلك المسبوق إليه إلى زمان رفع يده عنه، و هو في مثل السوق الذي يجلب البياع فيه المتاع من خارج البلد إلى الليل و في المسجد إلى زمان انقضاء عبادته فيه، و أمّا ظهورها في اختصاص ذلك المكان به بحيث يكون الانتفاع بذلك المكان محرّماً زائداً على المزاحمة فلم يحرز، و عليه فالحكم ببطلان الاعتكاف مشكل جدّاً، فإنّ مقتضى الإطلاق في مثل قوله عليه السلام: «المعتكف يعتكف في المسجد الجامع» «2» يعمّه و لو كان عمومه بنحو الترتّب على تقدير المزاحمة و ممانعة السابق.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 17: 405، الباب 17 من أبواب آداب التجارة، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 10: 539، الباب 3 من أبواب الاعتكاف، الحديث 4.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 257

و كذا إذا جلس على فراش مغصوب (1).

بل الأحوط الاجتناب عن الجلوس على أرض المسجد المفروش بتراب مغصوب أو آجر مغصوب على وجه لا يمكن إزالته و إن توقّف على الخروج خرج على الأحوط، و أمّا إذا كان لابساً لثوب مغصوب أو حاملًا له فالظاهر عدم البطلان.

[إذا جلس على المغصوب ناسياً أو جاهلًا أو مكرهاً أو مضطرّاً لم يبطل اعتكافه]

(مسألة 33): إذا جلس على المغصوب ناسياً أو جاهلًا أو مكرهاً أو مضطرّاً لم يبطل اعتكافه.

______________________________

(1) لا ينبغي التأمّل في أنّ موضع الفراش مسجد و قد مكث الجالس على فراش مغصوب في المسجد، و مكثه فيه ليس بمحرم، و إنّما المحرّم تصرّفه في مكثه فيه في مال الغير أي الفراش المغصوب، و الفراش المغصوب ليس مسجداً

فمتعلّق النهي مع متعلّق الأمر تركيبهما انضمامي اختياري لا لزومي؛ لإمكان أن يؤخّر المعتكف الفراش عن ذلك الموضع، نظير الجلوس في المسجد في ثوب مغصوب، و لم يلتزم أحد بامتناع اجتماع الأمر و النهي فيه.

نعم، إذا كان المسجد مفروشاً بتراب مغصوب أو آجر مغصوب على وجه لا يمكن إزالته يكون التركيب انضماميّاً لزوميّاً فالحكم فيه البطلان أولى من الصورة التي يكون الفراش للجالس مغصوباً، و لكنّ الصحيح عدم البطلان فيه أيضاً كما بيّن في محلّه.

نعم، نظر الماتن أنّ مع عدم إمكان ردّ المغصوب على مالكه يسقط ملكيّة المغصوب منه و يكون ماله على ذمّة الغاصب، و قد ذكرنا في بحث ضمان اليد و الإتلاف الساقط هو الماليّة لا الملكيّة، حيث إنّ الزائل بتصرّف الغاصب ماليّة المردود بالكسر لا ملكيّته.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 258

[إذا وجب عليه الخروج و لم يخرج أثم و لكن لا يبطل اعتكافه]

(مسألة 34): إذا وجب عليه الخروج لأداء دين واجب الأداء عليه أو لإتيان واجب آخر متوقّف على الخروج و لم يخرج أثم و لكن لا يبطل اعتكافه على الأقوى (1).

[إذا خرج عن المسجد لضرورة فالأحوط مراعاة أقرب الطرق]

(مسألة 35): إذا خرج عن المسجد لضرورة فالأحوط مراعاة أقرب الطرق (2) و يجب عدم المكث إلّا بمقدار الحاجة و الضرورة، و يجب أيضاً أن لا يجلس تحت الظلال مع الإمكان، بل الأحوط أن لا يمشي تحته أيضاً، بل الأحوط عدم الجلوس مطلقا إلّا مع الضرورة.

______________________________

(1) فإنّ المكث في المسجد في الفرض ليس بحرام، بل هو- أي الاعتكاف- ضدّ خاصّ للواجب و الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضدّه الخاصّ، بل يجوز الأمر به على نحو الترتّب و معلّقاً على ترك الواجب كما بيّن في محلّه، بل ذكر فيه عدم الحاجة إلى الترتّب؛ لعدم التزاحم بين المستحبّ و الواجب.

(2) فإنّ المشي في الطريق البعيد زائداً على مقدار الطريق القريب خروج عن المسجد من غير حاجة لا بدّ منها، حيث إنّ الخروج من المسجد عبارة عن الكون خارجه، و أمّا عدّ جواز جلوسه تحت الظلال مع عدم الضرورة فلما ورد في صحيحة داود بن سرحان: «و لا تقعد تحت ظلال حتّى تعود إلى مجلسك» «1» و أمّا النهي عن المشي تحت الظلال فلم يرد في رواية تصلح للاعتماد عليها و عليه فلا بأس بالمشي تحتها؛ لأصالة عدم حرمته.

نعم، لا يجوز له الجلوس في غير موضع الحاجة و الضرورة، سواء كان قبل الوصول إليه أم بعده، كبيت المريض الذي يريد عيادته أو البيت الذي تخرج الجنازة منها إذا اتّفق وصوله إليه قبل إخراجها؛ لما ورد في صحيحة الحلبي: «و لا يجلس

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 550، الباب

7 من أبواب الاعتكاف، الحديث 3.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 259

[لو خرج لضرورة و طال خروجه بحيث انمحت صورة الاعتكاف بطل]

(مسألة 36): لو خرج لضرورة و طال خروجه بحيث انمحت صورة الاعتكاف بطل (1).

[لا فرق في اللبث في المسجد بين أنواع الكون]

(مسألة 37): لا فرق في اللبث في المسجد بين أنواع الكون من القيام و الجلوس و النوم و المشي و نحو ذلك، فاللازم الكون فيه بأيّ نحو ما كان.

[إذا طلّقت المرأة المعتكفة في أثناء اعتكافها طلاقاً رجعياً وجب عليها الخروج إلى منزلها للاعتداد]

(مسألة 38): إذا طلّقت المرأة المعتكفة في أثناء اعتكافها طلاقاً رجعياً وجب عليها الخروج إلى منزلها للاعتداد و بطل اعتكافها و يجب استئنافه إن كان واجباً موسّعاً بعد الخروج من العدّة.

و أمّا إذا كان واجباً معيّناً فلا يبعد التخيير بين إتمامه (2) ثمّ الخروج و إبطاله و الخروج فوراً لتزاحم الواجبين و لا أهمّيّة معلومة في البين.

______________________________

حتّى يرجع» «1» و تقييد القعود تحت الظلال في صحيحة داود بن سرحان لا يوجب رفع اليد عن الإطلاق؛ لأنّ الغالب في حصول داعي الجلوس في غير موضع الضرورة كون الموضع تحت الظلال فلا يوجب مثل هذا القيد تقييد الإطلاق في خطاب المطلق.

(1) لمّا تقدّم من أنّ ما دلّ على جواز الخروج لحاجة لا بدّ منها، «2» ظاهره حفظ دورة الاعتكاف بثلاثة أيّام، و أمّا إذا اقتضى التشييع و نحوه كونه خارج المسجد تمام اليوم فلا يصدق على مكثه الاعتكاف بثلاثة أيّام.

طلاق المرأة أثناء الاعتكاف

(2) بناءً على أنّ من أحكام المعتدّة بالطلاق الرجعي تعيّن الاعتداد في بيت زوجها التي كانت تسكن عند الطلاق، و أنّه لا يجوز لها الخروج منها يتعيّن عليها

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 549، الباب 7 من أبواب الاعتكاف، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 10: 549، الباب 7 من أبواب الاعتكاف، الحديث 1 و 2 و 3.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 260

و أمّا إذا طلّقت بائناً فلا إشكال؛ لعدم وجوب كونها في منزلها في أيّام العدّة.

[الاعتكاف إمّا واجب معين أو واجب موسّع و إمّا مندوب]

(مسألة 39): قد عرفت أنّ الاعتكاف إمّا واجب معين أو واجب موسّع و إمّا مندوب، فالأوّل يجب بمجرد الشروع بل قبله و لا يجوز الرجوع عنه، و أمّا الأخيران فالأقوى فيهما جواز الرجوع قبل إكمال اليومين، و

أمّا بعده فيجب اليوم الثالث، لكنّ الأحوط فيهما أيضاً وجوب الاتمام بالشروع خصوصاً الأوّل منهما.

______________________________

الرجوع إلى بيتها، سواء كان الطلاق قبل تمام اليومين أو بعده و سواء كان الاعتكاف واجباً معيّناً أو غير معيّن أو كان مندوباً، و الوجه في ذلك فيما كان واجباً غير معيّن أو مندوباً و كان قبل تمام اليومين ظاهر؛ لعدم التزاحم في البين بعد جواز خروجها إلى بيتها في نفسه؛ لكونه قبل تمام اليومين.

و أمّا إذا كان واجباً معيّناً أو كان بعد تمام اليومين فلأنّ الخروج من المسجد لحاجة لا بدّ منها جائز لها حتّى ما لو كان الخروج موجباً لبطلان الاعتكاف؛ لكون الخروج لها يحتاج إلى مدّة يزول معه صورة الاعتكاف، و مع الطلاق يكون الرجوع إلى بيتها للاعتداد فيه من الحاجة التي لا بدّ منها فلا موضوع لوجوب إتمام الاعتكاف، فإطلاق ما دلّ على الاعتداد في بيتها يرفع الموضوع لوجوب الاعتكاف و وجوب إتمامه.

نعم، بناءً على أنّ وجوب الاعتداد عليها في بيتها بمعنى أنّه لا يجوز لها الخروج من بيتها بلا إذن زوجها كما كان الحال كذلك قبل الطلاق أيضاً و أنّه لا يجوز لزوجها إخراجها من بيت سكناها عند الطلاق فيجوز لها إتمام الاعتكاف بإذن زوجها إلى تام اليومين، و بعد تمامها لا يشترط إذن زوجها لوجوب الإتمام عليها على ما مرّ في اعتكاف الزوجة بإذن زوجها.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 261

[يجوز له أن يشترط حين النيّة الرجوع متى شاء]

(مسألة 40): يجوز له أن يشترط حين النيّة الرجوع متى شاء (1) حتّى في اليوم الثالث سواء علّق الرجوع على عروض عارض أو لا، بل يشترط الرجوع متى شاء حتّى بلا سبب عارض.

و لا يجوز له اشتراط جواز المنافيات كالجماع و نحوه

مع بقاء الاعتكاف على حاله.

______________________________

اشتراط الرجوع في الاعتكاف

(1) كما هو مقتضى صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا اعتكف يوماً و لم يكن اشترط فله أن يخرج و يفسخ الاعتكاف، و إن أقام يومين و لم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتّى تمضي ثلاثة أيّام» «1» فإنّ تقييد عدم جواز الخروج و فسخ الاعتكاف بعد تمام اليومين بعدم الاشتراط مقتضاه جواز الخروج و الفسخ في صورة الاشتراط، و عن جماعة اختصاص نفوذ الاشتراط بما إذا عرض له عذر في إتمام الاعتكاف؛ لما ورد في صحيحه أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و ينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يحرم» «2» فإنّ اشتراط الإحلال من المحرم يختصّ بصورة العذر عن الاستمرار على الإحرام فشرط المعتكف عند اعتكافه كشرط المحرم في إحرامه مقتضاه اختصاص شرط قطع اعتكافه و خروجه أيضاً بصورة طريان العذر، و أظهر من ذلك موثّقة عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «و اشترط على ربّك في اعتكافك كما تشترط في إحرامك أن يحلّك من اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علّة تنزل بك من أمر اللّٰه تعالى» «3».

و لكن لا يخفى أنّ غاية مقتضاهما أنّ شرط الفسخ و الخروج من المسجد عند

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 543، الباب 4 من أبواب الاعتكاف، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 10: 552، الباب 9 من أبواب الاعتكاف، الحديث الأوّل.

(3) وسائل الشيعة 10: 553، الباب 9 من أبواب الاعتكاف، الحديث 2.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 262

..........

______________________________

طريان العذر مستحبّ للمعتكف، و أمّا أنّ اشتراط الخروج متى شاء غير صحيح و

يكون لغواً، فلا دلالة لهما على ذلك، بل ظاهر صحيحة محمّد بن مسلم أنّ الفرق بين الخروج قبل تمام اليومين و الخروج بعدهما في صورة عدم الاشتراط، و أمّا مع الاشتراط أي مع اشتراط الخروج و الفسخ في الاعتكاف فلا فرق بينهما، و من الظاهر أنّ عدم الفرق بينهما في صورة الاشتراط إنّما يصحّ إذا كان الشرط الخروج متى شاء، حيث إنّ جواز الخروج قبل اليوم لا يختصّ بصورة العذر.

و دعوى أنّ المراد بالاشتراط في صدرها اشتراط الاستمرار على الاعتكاف و عدم إبطاله بالخروج تفكيك بين الصدر و الذيل من غير قرينة عليه.

نعم، الاستدلال على نفوذ اشتراط الخروج متى شاء بصحيحة أبي ولّاد قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن امرأة كان زوجها غائباً فقدم و هي معتكفة بإذن زوجها فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلى بيتها فتهيّأت لزوجها حتّى واقعها؟ فقال:

«إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تنقضي ثلاثة أيّام و لم تكن اشترطت في اعتكافها فإنّ عليها ما على المظاهر» «1» بتقريب أنّ بضميمة صدر صحيحة محمّد بن مسلم يرفع اليد عن إطلاقها فتحمل على خروجها قبل مضي ثلاثة أيّام مع إقامة اليومين، و يستفاد منها أنّها إن كانت قد اشترطت في اعتكافها الخروج فلا شي ء عليه، و من الظاهر أنّ اشتراط خروجها يكون من شرط الخروج بلا عذر لا يمكن المساعدة عليه؛ فإنّ الخروج إلى الزوج القادم من السفر بتهيئة الطعام له من الحاجة التي لا بدّ منها عرفاً؛ و لذا كان خروجها بالعذر غاية الأمر كان عليها الرجوع إلى المسجد و لكنّها أفسدت اعتكافها بالجماع؛ و لذا كانت عليها كفّارة الإفساد بالجماع،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 548، الباب 6 من أبواب

الاعتكاف، الحديث 6.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 263

و يعتبر أن يكون الشرط المذكور حال النيّة، فلا اعتبار بالشرط قبلها أو بعد الشروع فيه و إن كان قبل الدخول في اليوم الثالث.

و لو شرط حين النيّة ثمّ بعد ذلك أسقط حكم شرطه فالظاهر عدم سقوطه (1) و إن كان الأحوط ترتيب آثار السقوط من الإتمام بعد إكمال اليومين.

[يجوز اشتراطه الرجوع في نذر الاعتكاف]

(مسألة 41): كما يجوز اشتراط الرجوع في الاعتكاف حين عقد نيّته كذلك يجوز اشتراطه في نذره (2) كأن يقول للّٰه عليّ أن أعتكف بشرط أن يكون لي الرجوع عند عروض كذا أو مطلقاً، و حينئذ فيجوز له الرجوع و إن لم يشترط حين الشروع في الاعتكاف فيكفي الاشتراط حال النذر في جواز الرجوع لكن الأحوط ذكر الشرط حال الشروع أيضاً، و لا فرق في كون النذر اعتكاف أيّام معيّنة أو غير معيّنة متتابعة أو غير متتابعة، فيجوز الرجوع في الجميع مع الشرط المذكور في النذر و لا يجب القضاء بعد الرجوع مع التعيّن و لا الاستئناف مع الإطلاق.

______________________________

و لو كانت اشترطت الخروج و فسخ الاعتكاف عند اعتكافها لم يكن عليها شي ء لا الإثم و لا الكفّارة، و ظاهر هذه الصحيحة كظاهر صحيح محمّد بن مسلم، و صحيحة أبي بصير و موثّقة عمر بن يزيد هو الاشتراط في عقد الاعتكاف و الشروع فيه كما هو الحال في عقد الإحرام و الشروع فيه، و أمّا الاشتراط قبل الاعتكاف مع عدم البقاء عليه عند الشروع في الاعتكاف أو الاشتراط في أثناء الاعتكاف فلا دليل على اعتباره كما هو الحال في الاشتراط في الإحرام.

(1) فإنّه لا دليل على سقوط الشرط إذا شرط المكلّف لنفسه على ربّه شيئاً، و إنّما

القابل للسقوط الشرط له على غيره من الناس كما بيّن الوجه في ذلك في بحث الشروط في المعاملات.

(2) اشتراطه في نذره معناه أن ينذر الاعتكاف المشروط فيه الرجوع و لا بأس

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 264

[لا يصحّ أن يشترط في اعتكاف أن يكون له الرجوع في اعتكاف آخر له]

(مسألة 42): لا يصحّ أن يشترط في اعتكاف أن يكون له الرجوع في اعتكاف آخر له غير الذي ذكر الشرط فيه، و كذا لا يصحّ أن يشترط في اعتكافه جواز فسخ اعتكاف شخص آخر من ولده أو عبده أو أجنبي.

______________________________

بهذا الاشتراط حيث إنّ الاعتكاف المشروط فيه الرجوع كالاعتكاف غير المشروط مشروع، و على ذلك فلو اعتكف وفاءً بنذره يكون قصد الوفاء به من شرط الرجوع في اعتكافه و إلّا بأن اعتكف غافلًا عن نذره فلا يجوز له الرجوع بعد تمام اليومين؛ لأنّ ما قام به الدليل على مشروعيّة شرط الرجوع إنّما هو في إيقاع الاعتكاف على ما مرّ لا في نذر الاعتكاف فإنّ نذره كسائر النذورات غير قابل للرجوع فيه بإلغائه، بل لا يبعد الحكم ببطلان النذر المشروط فيه الرجوع عن نفس النذر فإنّه من النذر غير المشروع.

و على الجملة، عبارة الماتن ناظرة إلى نذر الاعتكاف المشروط فيه الرجوع، و عليه فلو كان عند إيقاع الاعتكاف غافلًا عن شرط الرجوع فيه و عن إيقاعه وفاءً بنذره لا يجوز له الرجوع بعد تمام اليومين، و لكن إطلاق العبارة يقتضي جواز الرجوع و لا أعرف له وجهاً بعد ما ذكرنا أنّ مشروعيّة شرط الرجوع إنّما هو في اشتراطه في إيقاع الاعتكاف.

ثمّ إنّ اشتراط الرجوع ليس منوّعاً للاعتكاف، بل للاعتكاف حقيقة واحدة، و جواز الرجوع و فسخه و لو في اليوم الثالث حكم يترتّب على نفس الاشتراط، و

عليه فمن اشترط في نذره الاعتكاف المشروط فقد نذر الاعتكاف و أن يسهّل أمر ذلك الاعتكاف لنفسه باشتراط الرجوع فيه، و إذا غفل حين إيقاع الاعتكاف عن نذره و اعتكف فقد وفى بنذره- أي الاعتكاف- و عدم اشتراط رجوعه عنه مع الغفلة عنه غير قادح، بل يمكن دعوى أنّه غير قادح مع التعمّد في تركه أيضاً، فإنّ الاشتراط فيه ليس التزاماً للّٰه على نفسه حتّى يجب الوفاء به، بل التزام لنفسه بشي ء، نظير من نذر بيع متاعه مع اشتراط الخيار في بيعه فباعه من دون اشتراط الخيار خصوصاً مع الغفلة عن نذره عند بيعه.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 265

[لا يجوز التعليق في الاعتكاف فلو علّقه بطل]

(مسألة 43): لا يجوز التعليق (1) في الاعتكاف فلو علّقه بطل إلّا إذا علّقه على شرط معلوم الحصول حين النيّة فإنّه في الحقيقة لا يكون من التعليق.

______________________________

لا يجوز التعليق في الاعتكاف

(1) لا بأس بالتعليق فيما كان المعلّق عليه من شرائط الاعتكاف كما إذا أراد الاعتكاف في مسجد لا يعلم أنّه مسجد جامع أو في زمان لا يعلم أنّه اليوم الثالث عيد أو أنّ العيد اليوم الرابع، فإنّ التعليق في قصد الاعتكاف في مثل ذلك على تقدير الشرط غير ضائر بل لازم، و المراد من التعليق التعليق على أمر لا دخل له في صحّة الاعتكاف، فإنّ الماتن قدس سره- وفاقاً للمشهور على ما قيل- التزم ببطلان الاعتكاف معه، و أنّ التنجيز شرط في صحّته، و حيث إنّ الاعتكاف لا يكون مطلق اللبث في المسجد، بل اللبث ثلاثة أيّام بنحو العبادة، فتعليق قصد هذا الاعتكاف على أمر لا يعلم حصول وقت النيّة- بل يظهر حصوله و عدمه قبل انقضاء أيّام الاعتكاف- أمر ممكن، و

الالتزام بأنّ من دخل المسجد صائماً و قصد الاعتكاف فيه ثلاثة أيّام على تقدير مجي ء ولده من سفره اليوم الثاني اعتكافه باطل و لو على تقدير مجي ء ولده يحتاج إلى إقامة دليل.

و الدليل على اعتبار التنجيز في المعاملات من العقود و الإيقاعات أو أنّ بعض المعاملات التعليقيّة غير معتبرة حتّى في سيرة العقلاء لا يجري في المقام.

نعم، دعوى أنّ اعتبار التنجيز يستفاد ممّا ورد في جواز اشتراط الرجوع عند الاعتكاف كاشتراط الرجوع في الإحرام لها وجه، و لكنّها أيضاً لا تخلو عن تأمّل لو لا المنع.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 267

فصل في أحكام الاعتكاف

اشارة

يحرم على المعتكف أُمور:

[الأول مباشرة النساء بالجماع في القبل أو الدّبر و باللمس و التقبيل بشهوة]

أحدها: مباشرة النساء بالجماع في القبل أو الدّبر و باللمس و التقبيل (1) بشهوة.

و لا فرق في ذلك بين الرجل و المرأة فيحرم على المعتكفة أيضاً الجماع و اللمس و التقبيل بشهوة. و الأقوى عدم حرمة النظر بشهوة إلى من يجوز النظر إليه و إن كان الأحوط اجتنابه أيضاً.

______________________________

فصل في أحكام الاعتكاف

يحرم مباشرة النساء

(1) لم يتمّ دليل على حرمتهما على المعتكف أو المعتكفة بل المحرم عليهما هو الجماع، و في موثّقة الحسن بن الجهم، عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن المعتكف يأتي أهله؟ فقال: «لا يأتي امرأته ليلًا و لا نهاراً و هو معتكف» «1» و قد تقدّم في صحيحة أبي ولّاد الواردة في المعتكفة التي خرجت لزوجها القادم من سفره فتهيّأت له حتّى واقعها أنّ عليها ما على المظاهر «2»، و في صحيحة زرارة قال: سألت

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 545، الباب 5 من أبواب الاعتكاف، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 10: 548، الباب 6 من أبواب الاعتكاف، الحديث 6.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 268

..........

______________________________

أبا جعفر عليه السلام عن المعتكف يجامع أهله؟ فقال: «إذا فعل فعليه ما على المظاهر» «1» و في موثّقة سماعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن معتكف واقع أهله؟ قال: «هو بمنزلة من أفطر يوماً من شهر رمضان» «2» و نحوها غيرها، و قد ذكرنا أنّ الواجب كفّارة الإفطار في شهر رمضان و كفّارة المظاهر أفضل.

و على الجملة، تحريم مثل اللمس و التقبيل غير مستفاد منها.

نعم، قد يدّعى أنّ حرمتهما مستفاد من إطلاق قوله سبحانه: «وَ لٰا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عٰاكِفُونَ فِي الْمَسٰاجِدِ» «3» و لكن لا يخفى

ما فيها فإنّه لو بنى على الأخذ بالإطلاق يكون وصول بشرة المعتكف إلى بشرة زوجته محرماً كان الوصل للشهوة أو بغيرها و مع عدم إرادة الإطلاق يؤخذ بالقدر المتيقّن و هو الوطء و ورد في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام كان رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد و ضربت له قبّة من شعر و شمّر المئزر و طوى فراشه، و قال بعضهم: و اعتزل النساء و قال أبو عبد اللّه عليه السلام: أمّا اعتزال النساء فلا «4»، و قد يوهم أنّ المراد بالاعتزال المنفي ما ورد في الآية «فَاعْتَزِلُوا النِّسٰاءَ فِي الْمَحِيضِ» «5» و لكنّه فاسد؛ فإنّه لا يحتمل ذلك لحرمة الجنابة في المسجد فالمراد ترك المعاشرة و أنّ ذلك لا يعتبر في الاعتكاف، و إنّما المعتبر ترك المجامعة كما قيل إنّه المراد بطوي الفراش و فيه تأمّل، بل المراد جمع فراشه للتهيّؤ للعبادة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 546، الباب 6 من أبواب الاعتكاف، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 10: 547، الباب 6 من أبواب الاعتكاف، الحديث 2.

(3) سورة البقرة: الآية 187.

(4) وسائل الشيعة 10: 545، الباب 5 من أبواب الاعتكاف، الحديث 2.

(5) سورة البقرة: الآية 222.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 269

[الثاني الاستمناء]

الثاني: الاستمناء على الأحوط (1) و إن كان على الوجه الحلال كالنظر إلى حليلته الموجب له.

______________________________

الاستمناء

(1) قد يمنع عن حرمة الاستمناء على المعتكف بما هو معتكف كحرمة الجماع لعدم قيام دليل عليه.

نعم، قد يحرم الاستمناء على المعتكف بما هو جنابة خاصّة أو إجناب نفسه في المسجد فإنّ ما دلّ على حرمة دخول الجنب المسجد يفهم منه حرمة إجناب المكلّف نفسه

في المسجد أيضاً، و إنّما الكلام فيما إذا لم تكن جنابة خاصّة، أو إجناب نفسه في المسجد كما إذا خرج عن المسجد لحاجة لا بدّ منها و استمنى بالنظر إلى زوجته، و الظاهر عدم قيام دليل على حرمة ذلك بعنوانه و إن قيل باستفادة ذلك من موثّقة سماعة قال: سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل؟ قال: «عليه إطعام ستّين مسكيناً، مدّ لكلّ مسكين» «1» حيث إنّه يعمّ اللزوق بأهله في صوم الاعتكاف أيضاً، بل في نفس الاعتكاف بمعنى أنّ كلّ مورد أوجب الجماع فيه كفّارة الإطعام بستّين مسكيناً يكون الإمناء أيضاً باللزوق بالأهل و نحوه موجباً له، و هذا من عجيب الكلام فإنّ اللزوق بالأهل لم ينزّل في الموثّقة منزلة الجماع ليقال مقتضى إطلاق التنزيل أنّ الجماع إذا كان موجباً للكفّارة في مورد فمقتضى إطلاق التنزيل جريان حكم الجماع على الاستمناء أيضاً، بل ذكر فيها حكم الاستمناء و أنّ فيه الكفّارة و المتيقّن منه صوم شهر رمضان لا سائر الصيام فضلًا عن الاعتكاف، و حرمة الاستمناء و لو بالنظر إلى الأهل في صوم شهر رمضان أو في الإحرام لا يوجب التعدّي إلى الاعتكاف فالحكم فيه غايته الاحتياط.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 40، الباب 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 4.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 270

[الثالث شمّ الطيب مع التلذذ]

الثالث: شمّ الطيب مع التلذذ و كذا الريحان (1)، و أمّا مع عدم التلذّذ- كما إذا كان فاقداً لحاسّة الشم مثلًا- فلا بأس به.

[الرابع البيع و الشراء]

الرابع: البيع و الشراء (2) بل مطلق التجارة مع عدم الضرورة على الأحوط و لا بأس بالاشتغال بالأُمور الدنيويّة من المباحات حتّى الخياطة و النساجة و نحوهما، و إن كان الأحوط الترك إلّا مع الاضطرار إليها، بل لا بأس بالبيع و الشراء إذا مسّت الحاجة اليهما للأكل و الشرب مع تعذّر التوكيل أو النقل بغير البيع.

______________________________

شم الطيب

(1) و يشهد لذلك صحيحة أبي عبيدة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: المعتكف لا يشمّ الطيب و لا يتلذّذ بالريحان و لا يماري و لا يشتري و لا يبيع» الحديث «1» و ظاهر الجملة الإخبارية النافية في مقام بيان التكليف هو المنع المطلق و التحريم، و لكنّ النهي عن شمّ الطيب مطلقاً و اعتبار التلذّذ في شمّ الرياحين، و ما ذكر الماتن: و أمّا مع عدم التلذّذ فلا بأس كما إذا كان فاقداً لحاسّة الشم، ففيه أنّ الفاقد لها لا يشمّ لا أنّه لا يتلذّذ، و مقتضى إطلاق النهي عن شمّ الطيب كما ذكرنا عدم الفرق بين الالتذاذ و عدمه في شمّه.

و دعوى انصراف النهي عن شمّه إلى صورة الالتذاذ لا يمكن المساعدة عليها؛ فإنّ النهي عن شمّه كالأمر بشمّه يعمّ ما إذا كان الداعي إلى شمّه غير الالتذاذ بأن يشمّه للاختبار فقط إذا طلب منه شخص اختباره و نحو ذلك، و يمكن أن يقال أيضاً إنّ الالتذاذ بالرياحين يعمّ غير الشمّ أيضاً كأكل بعضها التذاذاً بأكله، و اللّٰه العالم.

(2) و يشهد لذلك صحيحة أبي عبيدة المتقدّمة عن أبي جعفر عليه السلام حيث

ورد فيها: لا يبيع و لا يشتري «2»، و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين كون بيعه و شرائه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 553، الباب 10 من أبواب الاعتكاف، الحديث الأوّل.

(2) تقدّمت آنفاً.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 271

[الخامس المماراة]

الخامس: المماراة (1)- أي المجادلة- على أمر دنيوي أو ديني بقصد الغلبة و إظهار الفضيلة، و أمّا بقصد إظهار الحقّ و ردّ الخصم من الخطأ فلا بأس به، بل هو من أفضل الطاعات، فالمدار على القصد و النيّة فلكلّ امرئ ما نوى من خير أو شرّ.

______________________________

بالمباشرة أو بالتوكيل و حتّى يعمّ ذلك إجازة البيع الواقع بماله أو الشراء به، و هل يختصّ النهي بما إذا كان العقد و المعاملة معنونة بعنوان البيع و الشراء أو يعمّ ما إذا كانت معنونة بعنوان مطلق المعاوضة و مطلق التجارة؟ و الوارد في النصّ هو النهي عن البيع و الشراء، و لا يبعد الظن بأنّ المنهي عنه الأعمّ منهما، و لكن لا يخلو هذا عن مجرّد الظن بأنّ تعلّق النهي بعنوانهما؛ لكونهما الغالب في كسب المال و النقل و الانتقال الاختياريين.

و أمّا الجواز في الاضطرار و الضرورة؛ لأنّ هذا المحرم لا يزيد على سائر المحرّمات التي ترتفع عند الاضطرار إليها، هذا بناءً على أنّ شمّ الطيب و الالتذاذ بالريحان و البيع و الشراء لا يفسد الاعتكاف، بل هي كمحرّمات الإحرام حرام تكليفي على المعتكف، و أمّا بناءً على كونها مانعة عن الاعتكاف فلا يمكن إثبات الاعتكاف مع ارتكابها و لو عند الاضطرار كما يأتي التعرّض لذلك.

المماراة

(1) و النهي عنها أيضاً وارد في صحيحة أبي عبيدة «1»، و ظاهرها كما ذكر الماتن قدس سره المجادلة على أمر ديني أو

دنيوي بقصد الغلبة و إظهار الفضيلة، و أمّا بقصد إظهار الحقّ و ردع الخصم عن خطائه فهو داخل في المجادلة بالتي هي أحسن و إرشاد الغير إلى الحقّ و الإنسان على نفسه بصيرة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 553، الباب 10 من أبواب الاعتكاف، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 272

و الأقوى عدم وجوب اجتناب ما يحرم على المحرم (1) من الصيد و إزالة الشعر و لبس المخيط و نحو ذلك و إن كان أحوط.

[لا فرق في حرمة المذكورات على المعتكف بين الليل و النهار]

(مسألة 1): لا فرق في حرمة المذكورات على المعتكف بين الليل و النهار.

نعم، المحرّمات من حيث الصوم كالأكل و الشرب و الارتماس و نحوها مختصّة بالنهار.

[يجوز للمعتكف الخوض في المباح]

(مسألة 2): يجوز للمعتكف الخوض في المباح و النظر في معاشه مع الحاجة و عدمها.

[كلّ ما يفسد الصوم يفسد الاعتكاف]

(مسألة 3) كلّ ما يفسد الصوم يفسد الاعتكاف إذا وقع في النهار من حيث اشتراط الصوم فيه، فبطلانه يوجب بطلانه، و كذا يفسده الجماع سواء كان في الليل أو النهار، و كذا اللمس و التقبيل بشهوة (2)، بل الأحوط بطلانه بسائر ما ذكر من المحرمات من البيع و الشراء و شمّ الطيب و غيرها ممّا ذكر،

______________________________

(1) لعدم الدليل على حرمة محرّمات الإحرام على المعتكف، بل الإطلاق في صحيحة داود بن سرحان ينفي حرمة تلك المحرمات قال: كنت في المدينة في شهر رمضان فقلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّي أُريد أن اعتكف فما ذا أقول و ما ذا أفرض على نفسي؟ قال: «لا تخرج من المسجد إلّا لحاجة لا بدّ منها و لا تقعد تحت ظلال حتّى تعود إلى مجلسك» «1» غاية الأمر يرفع عن هذا الإطلاق بالإضافة إلى ما تقدّم.

أضف إلى ذلك أصالة الحلّ أو البراءة الجارية فيها إذا شكّ في حرمتها عليه أو في مانعيّة شي ء منها في الاعتكاف.

(2) قد تقدّم الكلام فيهما و أنّه لم يدلّ على حرمتهما ما يصلح للاعتماد عليه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 550، الباب 7 من أبواب الاعتكاف، الحديث 3.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 273

بل لا يخلو عن قوة (1) و إن كان لا يخلو عن إشكال أيضاً، و على هذا فلو أتمّه و استأنفه أو قضاه بعد ذلك إذا صدر منه أحد المذكورات في الاعتكاف الواجب كان أحسن و أولى.

______________________________

(1) وجه القوّة ظهور النهي عن فعل عند الإتيان بعمل عبادة كانت أو غيرها الإرشاد إلى مانعيّته كما أنّ الأمر به

عند الإتيان بالعبادة أو غيرها الإرشاد إلى الشرطيّة، و وجه الإشكال احتمال كون المنهي عنها عند الاعتكاف كمحرمات الإحرام التي لا يفسد الإحرام بها، ثمّ ذكر قدس سره أنّه إذا ارتكب شيئاً منها فإن كان الاعتكاف من قبيل الواجب الموسّع فأتمّه ثمّ استأنفه كان أحسن و أولى، و أمّا إذا كان واجباً معيّناً كالمنذور في وقت معيّن أو كان الارتكاب في المندوب يوم الثالث كان إتمامه ثمّ قضاؤه من الأحسن الأولى، و مقتضى الإفتاء بمفسديّتها جواز الاكتفاء بالاستئناف و القضاء.

و قد يقال إنّ ظهور النهي عن فعل عند الإتيان بالعبادة و نحوها و إن كان مانعيّته و لا يفرق في النهي بين أن يكون مفاد الخطاب مثل قوله عليه السلام: لا تصلِّ في ما لا يؤكل لحمه، و بين أن يقال: المصلّي لا يلبس ما لا يؤكل لحمه، إلّا أنّ تشبيه الاعتكاف بالإحرام في صحيحة أبي بصير و موثّقة عمر بن يزيد «1» الواردتين في استحباب اشتراط الخروج عن الاعتكاف و فسخه في إيقاع الاعتكاف، نظير اشتراط المحرم عند إحرامه الإحلال عند طرو الاضطرار يعطي أنّ الاعتكاف مع إيقاعه كالإحرام عند إيقاعه غاية الأمر يكون بقاء الاعتكاف ببقاء اللبث في المسجد و عدم الخروج منه إلّا عند الحاجة التي لا بدّ منها و بقاء الإحرام يكون بعدم فوت سائر أعمال العمرة أو الحج، و كما أنّ منع المحرم عن محظورات الإحرام لا يوجب فساده كذلك منع المعتكف عن شمّ الطيب و الالتذاذ بالريحان و البيع و الشراء و المراء، و هذا التشبيه المستفاد من الروايتين يوجب رفع اليد عن ظهور النهي عنها في المانعيّة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 552- 553، الباب 9 من أبواب الاعتكاف، الحديث

1 و 2.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 274

[إذا صدر منه أحد المحرّمات المذكورة سهواً فالظاهر عدم بطلان اعتكافه]

(مسألة 4): إذا صدر منه أحد المحرّمات المذكورة سهواً فالظاهر عدم بطلان اعتكافه (1) إلّا الجماع فإنّه لو جامع سهواً أيضاً فالأحوط في الواجب الاستئناف أو القضاء مع إتمام ما هو مشتغل به و في المستحبّ الإتمام.

[إذا فسد الاعتكاف بأحد المفسدات فإن كان واجباً معيّناً وجب قضاؤه]

(مسألة 5): إذا فسد الاعتكاف بأحد المفسدات فإن كان واجباً معيّناً وجب قضاؤه (2) و إن كان واجباً غير معيّن وجب استئنافه، إلّا إذا كان مشروطاً فيه

______________________________

نعم، بالإضافة إلى الجماع و لو ليلًا يلتزم ببطلان الاعتكاف؛ لأنّ في موثقة سماعة التي سأل الإمام عليه السلام عن معتكف واقع أهله قال: «هو بمنزلة من أفطر يوماً من شهر رمضان» «1» فالمستفاد من إطلاق التنزيل كما أنّ الجماع يفسد صوم شهر رمضان و يوجب الكفّارة كذلك جماع المعتكف يوجب فساد الاعتكاف و كفّارة الإفطار مضافاً إلى الجماع يفسد الإحرام أيضاً؛ و لذا أمكن فيه الأخذ بظاهر صحيحة الحسن بن الجهم، عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن المعتكف يأتي أهله فقال:

لا يأتي امرأته ليلًا و لا نهاراً» «2» فإنّ ظاهرها كما تقدّم الإرشاد إلى المانعيّة و فساد الاعتكاف به من غير فرق بين كونه عمديّاً أو سهويّاً.

و المتحصّل لا يبعد الالتزام بمفسديّة الجماع الاعتكاف كمفسديّة الخروج عن المسجد اختياراً، و أمّا سائر ما تقدّم فهي حرام للمعتكف تكليفاً.

(1) بناءً على مانعيّة المذكورات و مبطليّتها للاعتكاف لا موجب للتفرقة بين العمد و السهو، فإنّ النهي الإرشادي إلى مانعيّة شي ء مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين صدوره عن عمد أو سهو كما هو الحال بالإضافة إلى الجماع.

قضاء الاعتكاف

(2) قد تقدّم الوجه في وجوب قضاء الاعتكاف الواجب في موارد كونه واجباً

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 547، الباب 6 من أبواب الاعتكاف، الحديث

2.

(2) وسائل الشيعة 10: 545، الباب 5 من أبواب الاعتكاف، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 275

أو في نذره الرجوع فإنّه لا يجب قضاؤه أو استئنافه.

و كذا يجب قضاؤه إذا كان مندوباً و كان الإفساد بعد اليومين، و أمّا إذا كان قبلهما فلا شي ء عليه، بل في مشروعيّة قضائه حينئذ إشكال.

[لا يجب الفور في القضاء]

(مسألة 6): لا يجب الفور في القضاء و إن كان أحوط.

[إذا مات في أثناء الاعتكاف الواجب لم يجب على وليّه القضاء]

(مسألة 7): إذا مات في أثناء الاعتكاف الواجب بنذر أو نحو لم يجب على وليّه القضاء و إن كان أحوط.

______________________________

معيّناً من الأوّل أو في اليوم الثالث كما في المندوب، و أمّا وجوب الاستئناف فهو مختصّ بالواجب الموسّع و لو اشترط في اعتكافه المندوب أو الواجب المعيّن أو الموسّع حلّ اعتكافه إذا اضطرّ إلى الخروج أو مطلقاً كما تقدّم لا يكون عليه القضاء، بل لا دليل فيه على مشروعيّته كما هو ظاهر صحيحة محمّد بن مسلم «1» عن أبي جعفر عليه السلام الواردة في الاعتكاف المندوب و الفرق فيه مع عدم اشتراط فسخه بين الخروج قبل تمام اليومين و بعدهما و أنّه مع اشتراط الفسخ يكون الخروج قبل اليومين و بعدهما سواءً.

لا يقال: إذا نذر الاعتكاف في أيّام معيّنة أو مطلقاً فعليه القضاء أو الاستئناف وفاءً لنذره.

فإنّه يقال: نذر الاعتكاف لا ينافي اشتراط الرجوع فيه كما هو مقتضى الأمر بالاشتراط في صحيحة أبي بصير و موثقة عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام «2» حيث إنّ مقتضى إطلاقهما و عدم تقييد المعتكف فيها بكون اعتكافه ندبيّاً جواز الاشتراط حتّى في موارد نذره معيّناً أو مطلقاً و يستفاد ذلك من كلام الماتن قدس سره أيضاً حيث قال:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 543، الباب 4 من أبواب الاعتكاف، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 10: 552- 553، الباب 9 من أبواب الاعتكاف، الحديث 1 و 2.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 276

نعم، لو كان المنذور الصوم معتكفاً وجب على الولي قضاؤه (1) لأنّ الواجب حينئذ عليه هو الصوم و يكون الاعتكاف واجباً من باب المقدّمة، بخلاف

ما لو نذر الاعتكاف، فإنّ الصوم ليس واجباً فيه و إنّما هو شرط في صحّته، و المفروض أنّ الواجب على الولي قضاء الصلاة و الصوم عن الميّت لا جميع ما فاته من العبادات.

______________________________

إذا فسد الاعتكاف بأحد المفسدات فإن كان واجباً معيّناً وجب قضاؤه، و إن كان واجباً غير معيّن وجب استئنافه إلّا إذا كان مشروطاً فيه أو في نذره الرجوع فإنّه لا يجب قضاؤه أو استئنافه.

(1) إنّما يجب القضاء على الولي إذا كان نذر الصوم معتكفاً من قبيل الواجب الموسّع و أخّر المتوفى في الوفاء به عن الإتيان في أوّل الوقت بحيث لو أتى به في أوّل الوقت تمكّن من إتمام الوفاء بالنذر، فإنّ في هذه الصورة يجب على وليّه القضاء على ما تقدّم من أنّ الصوم الواجب قضاؤه لا يختصّ بصوم شهر رمضان، بل يعمّ مطلق الصوم الواجب كما هو مقتضى الإطلاق في بعض روايات وجوب القضاء على الولي.

و على الجملة، إذا كان المنذور من قبيل الواجب المضيّق أو كان من الموسّع و شرع في الصوم المنذور و مات في أثنائه يعلم عدم تمكّنه من المنذور و أن نذره كان منحلّاً من الأوّل و لم يكن عليه صوم حتّى يجب على وليّه قضاؤه ثمّ في فرض وجوب القضاء على الولي لا يجب أن يقضي و هو معتكف؛ لما تقدّم في المسألة الثالثة من صوم الكفّارة أنّ الواجب في القضاء أن يصوم يوماً بدل يوم، و أمّا سائر خصوصيّات المبدل كالتتابع المشروط فيه فلا دليل على اعتباره في القضاء.

و ممّا ذكر يظهر أنّ المتوفى لو كان نذره متعلّقاً بنفس الاعتكاف فلعدم وجوب قضائه على الولي لا يقضي صومه فإنّ ما دلّ على وجوب قضاء الصوم

عن الأب ما كان الصوم واجباً عليه مستقلّاً لا كونه شرطاً في عمل لا يجب على الولي قضاؤه.

تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، ص: 277

[إذا باع أو اشترى في حال الاعتكاف لم يبطل بيعه]

(مسألة 8): إذا باع أو اشترى في حال الاعتكاف لم يبطل بيعه (1) و شراؤه و إن قلنا ببطلان اعتكافه.

[إذا أفسد الاعتكاف الواجب بالجماع و لو ليلًا وجبت الكفّارة]

(مسألة 9): إذا أفسد الاعتكاف الواجب بالجماع و لو ليلًا وجبت الكفّارة.

و في وجوبها في سائر المحرّمات إشكال، و الأقوى عدمه و إن كان الأحوط ثبوتها، بل الأحوط ذلك حتّى في المندوب منه (2) قبل تمام اليومين.

و كفّارته ككفّارة شهر رمضان على الأقوى و إن كان الأحوط كونها مرتّبة ككفّارة الظهار.

______________________________

(1) فإنّ حرمة إنشاء البيع و الشراء لا ينافي إمضاءه على تقدير الإنشاء كما بيّن في مسألة النهي عن المعاملة.

(2) الأظهر عدم وجوب الكفّارة بإبطال الاعتكاف بالجماع قبل تمام اليومين فإنّه و إن ورد وجوب الكفّارة على المعتكف بالجماع.

إلّا أنّه قد تقدّم أنّ ظاهر صحيحة محمّد بن مسلم الفرق بين رفع اليد عن الاعتكاف مع عدم اشتراط الفسخ فيه قبل تمام اليومين و بعده في أنّه يجوز له أن يخرج و يفسخ الاعتكاف قبل اليومين، و ظاهر ما دلّ على وجوب الكفّارة بالجماع وقوعه فيما إذا كان على المكلّف وجوب الاعتكاف كما هو ظاهر قوله عليه السلام: «عليه ما على الذي أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً» «1» و قوله عليه السلام: «بمنزلة من أفطر يوماً من شهر رمضان» «2» و لذا قلنا بوجوب القضاء عليه أيضاً، و يؤيّده أنّ وجوب الكفّارة في صحيحة أبي ولّاد «3» علّق على عدم اشتراط الرجوع في الاعتكاف و عدم مضي ثلاثة أيّام.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 547- 548، الباب 6 من أبواب الاعتكاف، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 10: 547، الباب 6 من أبواب الاعتكاف، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 10: 548، الباب 6 من أبواب الاعتكاف، الحديث 6.

تنقيح مباني العروة

- كتاب الاعتكاف، ص: 278

[إذا كان الاعتكاف واجباً و كان في شهر رمضان و أفسده بالجماع في النهار فعليه كفّارتان]

(مسألة 10): إذا كان الاعتكاف واجباً و كان في شهر رمضان و أفسده بالجماع في النهار فعليه كفّارتان: إحداهما للاعتكاف، و الثانية للإفطار في نهار رمضان.

و كذا إذا كان في صوم قضاء شهر رمضان و أفطر بالجماع بعد الزوال فإنّه يجب عليه كفّارة الاعتكاف و كفّارة قضاء شهر رمضان.

و إذا نذر الاعتكاف في شهر رمضان و أفسده بالجماع في النهار وجب عليه ثلاث كفّارات: إحداها للاعتكاف و الثانية لخلف النذر (1)، و الثالثة للإفطار في شهر رمضان.

و إذا جامع امرأته المعتكفة و هو معتكف في نهار رمضان فالأحوط أربع كفّارات، و إن كان لا يبعد كفاية الثلاث إحداها لاعتكافه و اثنتان للإفطار في شهر رمضان إحداهما عن نفسه و الأُخرى تحمّلًا عن امرأته، و لا دليل على تحمّل كفّارة الاعتكاف عنها؛ و لذا لو أكرهها على الجماع في الليل لم تجب عليه إلّا كفّارته، و لا يتحمّل عنها.

هذا، و لو كانت مطاوعة فعلى كلّ منهما كفّارتان إن كان في النهار، و كفّارة واحدة إن كان في الليل.

تمّ كتاب الاعتكاف

______________________________

و على الجملة، ما ورد في جواز الفسخ قبل تمام اليومين رافع لموضوع وجوب الكفّارة لجماع المعتكف.

(1) هذا إذا كان النذر في أيّام معيّنة، و إلّا تمكّن من الوفاء بالنذر باستئناف النكاح في غيرها، وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ*.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، تنقيح مباني العروة - كتاب الاعتكاف، در يك جلد، قم - ايران، اول، ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.